الربيع الأسود
عندما كان العديد من الإسلاميين والمهرولين خلف أضواء السلطة، ممن تجذبهم الشعبوية، ويتقنون دغدغة عواطف الجماهير الهائجة التي لا تعرف إلى أين تسير، بسبب الجهل والأمية والفقر والتهميش، يصفقون للربيع العربي ويطلقون وعود الحرية والتطور، وحسن استغلال الثروات، والاستقلالية عن الفاعل السياسي الخارجي، كانت أصوات صحافية وسياسية وثقافية قليلة تقف أمام موجة الشعبوية، وتنادي بتحكيم العقل والعودة لقراءة متأنية لواقع السياسة الدولية وحرب المصالح الطاحنة، التي تسقى بدماء المدنيين الأبرياء والمتنطعين والميليشيات، التي تعمل تحت الغطاء الديني ويتم تحريكها من خلف الستار.
ما يميز المملكة المغربية في حرية التعبير والتوازنات التي ترعاها الملكية بحكمة بالغة، هو أنه في عز موجة ما سمي بالربيع العربي والدعم الإعلامي منقطع النظير، ودغدغة العواطف وبيع وهم التنمية في ساعة من الزمن، وتحقيق الديمقراطية والوعي الشعبي خلال أقل من أسبوع، كانت هناك أصوات تنادي بتحكيم العقل والحفاظ على المكتسبات تحت شعار المملكة الخالد الله – الوطن – الملك، مع تفكيك البنية التي تتعلق بحلم الربيع العربي، وتفاعل المؤسسات الرسمية مع محيطها بشكل امتص كل الصدمات، وحول الأزمة إلى ربح داخلي كبير، تظهر مؤشراته الآن من خلال استثمار الدبلوماسية الملكية في تحقيق الإقلاع الاقتصادي.
لقد كان من الصعب، قبل سنوات قليلة، الطعن في أهداف وخلفيات الربيع العربي الذي تحول في حاضرنا إلى خراب البلدان العربية المعنية به، وسقوطها في فخ التقسيم والحروب الأهلية، ونهب خيراتها وثرواتها وتحولها إلى مشتل للميليشيات التي تعمل تحت شعارات براقة، والحال أنه متحكم فيها بشكل كامل وتخدم أجندات خاصة.
إن السياسة الدولية رمال متحركة، ومن يوصف اليوم بالثوري لأنه يوافق أهداف من يسيرونه من خلف الستار أو حتى جهرا أمام الإعلام، قد يتحول غدا إلى شيطان مارد تجب محاربته، لأنه خرج عن الخطوط المرسومة له، لذلك فإن قدر الشعوب العربية في هذه المرحلة أن تعيش أسوأ أيامها من الضعف والهوان، لأنها فرطت في الوعي والتعليم والوحدة، لأن ما يجمعها أقوى من كل عوامل تفرقتها، حتى أن بعض الأنظمة كانت وما زالت تدعم الإرهاب وتخلق الفتن وترعى الميليشيات المسلحة والكيانات الوهمية مثل البوليساريو، وانكشاف عورة جنرالات الجزائر الذين يحاولون التغطية على أزمتهم الداخلية بقماشهم المثقوب.
لقد كانت المملكة المغربية الشريفة، وما زالت فاعلة في السياسة الدولية على أساس التهدئة والسلام، وحماية المدنيين وتقريب وجهات النظر بما يخدم الشعوب في كافة أرجاء العالم وإفريقيا بشكل خاص، كما كانت دوما ضد الحروب التي تدمر الإنسان والشجر والحجر، وتنادي بعالم متحضر وتعايش الحضارات وتحقيق التنمية ونبذ التعصب والتطرف، مهما كانت الجهة المسؤولة عنه، وهذا سر الحكمة في الدبلوماسية الملكية، وسعي الملك محمد السادس ليل نهار، في جميع الظروف الشخصية والعالمية والإقليمية، إلى تحقيق حلم رؤية شعبه من أقوى شعوب العالم.