الرئيس والعسكر
مروان قبلان
عندما وصل رجل الأعمال، دونالد ترامب، إلى السلطة بعد فوزه بانتخابات العام 2016، بدا واضحا الارتياح الذي اعترى المؤسسة العسكرية في تفاعلها مع إدارته. بالنسبة لبعض المؤرّخين، والمهتمين بالعلاقات المدنية العسكرية في الولايات المتحدة، كان رد الفعل هذا طبيعيا، إذ ترتاح المؤسسة العسكرية الأمريكية أكثر في التعامل مع الجمهوريين لسببين: الأول، أن هؤلاء يعدّون صقورا في قضايا السياسة الخارجية والأمنية، وهم من ثم أقرب في مواقفهم إلى العسكر، بدليل أن الأزمات الشهيرة التي وقعت بين العسكر والسياسيين في أمريكا حصل أكثرها مع إدارات ديمقراطية، وكان أشدّها حدّة مع الرئيس جون كيندي خلال أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، حين أبدت المؤسسة العسكرية انزعاجا شديدا مما اعتبرته موقفا ضعيفا اتخذه كيندي في التعامل مع السوفييت. وما حصل أيضا خلال رئاسة الديمقراطي، جيمي كارتر، عندما استاء العسكر من التردّد والارتباك الذي أبداه الرئيس في التعامل مع أزمة الرهائن في السفارة الأمريكية في طهران، ومع الغزو السوفييتي لأفغانستان، وكان العسكر عارضوا قبل ذلك توقيع كارتر اتفاقية إعادة قناة بنما إلى أصحابها. السبب الثاني أن الجمهوريين أكثر سخاء في الإنفاق الدفاعي، وهم عادة لا يناقشون طلبات الجيش مزيدا من المال. فوق ذلك، كانت علاقة سلف ترامب، أي باراك أوباما، بالمؤسسة العسكرية صعبة ومعقدة، إذ لم يكن أوباما يكنّ أي تقدير لرأي المؤسسة العسكرية، فقرار الانسحاب من العراق جاء ضد رغبتها، ولم تكن المؤسسة العسكرية راضيةً أيضا عن خططه للانسحاب من أفغانستان.
في المقابل، تقرّب ترامب، خصوصا في بداية حكمه، حيث كانت ثقته بنفسه قليلة، من المؤسسة العسكرية، وسعى إلى الحصول على دعمها، فعيّن ثلاثة جنرالات في مواقع أساسية في إدارته: جيمس ماتيس وزيرا للدفاع، وذلك بعد أن كان أوباما طرده من منصبه على رأس القيادة المركزية الأمريكية، بسبب خلافاتٍ بشأن سورية وغيرها. مايكل فلن مستشارا للأمن القومي، وعندما اضطر إلى طرده بسبب انفضاح علاقته بروسيا، عين مكانه جنرالا آخر هو هربرت مكماستر. جون كيلي كبيرا لموظفي البيت الأبيض، وهو أهم منصب في دائرة الرئيس. من جهة أخرى، أقر ترامب زيادات كبيرة في موازنة وزارة الدفاع، وصلت عام 2020 إلى 738 مليار دولار وتضمنت زيادة رواتب كل منتسبي القوات المسلحة بنسبة 3,1%، وإعطاء امتيازات غير مسبوقة لهم، جاء هذا في وقت كان ترامب يقتطع من موازنات وزاراتٍ أخرى، أولاها الخارجية.
ولكن علاقة ترامب بالمؤسسة العسكرية أخذت تتدهور باطراد، بسبب محاولاته تقديم مصالحه الشخصية على المصالح القومية، فبدأ يتخلص من الجنرالات حوله واحدا بعد الآخر، وكان آخر المطرودين جيمس ماتيس الذي اختلف معه بشأن سياسته مع كوريا الشمالية، حين ألغى الرئيس مناورات عسكرية مع كوريا الجنوبية من دون علم وزير دفاعه، واختلف معه أيضا بشأن موضوع الانسحاب من سورية. وهكذا، ومع وصول ترامب إلى نهاية ولايته، لم يكن قد بقي في إدارته جنرال واحد، ما يؤشر على عمق التحول الذي طرأ على علاقته بالمؤسسة العسكرية. ولكن هذه ليست نهاية القصة، إذ كان ترامب يخطط، على ما يبدو، خلال تعامله مع الأزمة التي تسبب بها مقتل المواطن الأمريكي من أصل إفريقي جورج فلويد على يد الشرطة، إلى استخدام الجيش في معاركه السياسية، فقرّر الاستعانة به لإعادة الهدوء إلى المدن الأمريكية، وهو تصرف نادر الحصول في أمريكا. أراد ترامب بهذا الظهور قائدا قويا قادرا على استعادة الأمن والنظام في البلاد، والتغطية على فشله في التعامل مع جائحة كورونا، لكن الجيش عبّر عن رفضه القاطع لعملية تسييسه واستخدامه في معارك انتخابية، ما يعني أن العلاقة بين الطرفين وصلت إلى القطيعة.
يؤمن الأمريكيون بأن حماية الدستور مكفولة أولا بضمانة رفض المؤسسة العسكرية تاريخيا أن تكون جزءا من الصراعات السياسية الداخلية، وثانيا بصون حرية الإعلام. حاول ترامب ترويض الإعلام ففشل، وحاول رشوة الجيش ففشل، ففي أمريكا نظام راسخ، يصعب تخيل قدرة ميول فردية عابرة على تهشيمه، وإنْ كانت تترك أثرًا.