شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

الذكرى المنسية..

 

مقالات ذات صلة

 

يونس جنوحي

 

الثاني من أكتوبر. الذكرى التي سقطت من التقويم المغربي، ولا يهتم بذكرها أحد، رغم أنها كانت منعرجا مهما في رسم معالم الطريق نحو استقلال المغرب رسميا عن فرنسا.

في غشت 1955 جرت محادثات إكس ليبان، وكان هناك اتجاه لحل المشكلة المغربية مع فرنسا “سياسيا”. لكن حملة السلاح، وأعضاء جيش التحرير المرابطين في الجبال لم يكونوا متفائلين نهائيا بما يقع في تلك الجزيرة الفرنسية التي يقضي فيها وزراء الحكومة الفرنسية عطلتهم السنوية.

عندما عاد المشاركون في المحادثات إلى المغرب، كانت كل المؤشرات توحي بأن أزمة العرش لن تُحل في القريب حتى لو غادر بن عرفة القصر الملكي في الرباط.

في تلك الأثناء، وقبل فاتح أكتوبر 1955، كان التحضير لعملية سرية يجري في أنحاء فاس و”مرموشة” وتاونات، وأيضا “قرية با امحمد” والنواحي، وصولا إلى مكناس. لم تتسرب أي معلومة، بخصوص الهجوم الذي حُدد يوم 2 أكتوبر من تلك السنة موعدا له.

فرنسا تعترف في أرشيفها أن شرطتها السرية لم تصل إلى أي معلومات بشأن الهجوم، ولم تحصل على أي تسريب بشأن الإعداد له. كان الهجوم مفاجئا، ومُربكا. هاجم الأهالي، وأغلبهم فلاحون بسطاء، الثكنات العسكرية وأماكن تجمع الموظفين الفرنسيين، وأيضا مُلاك الضيعات الفلاحية التي استولت عليها الإدارة الفرنسية. استُعملت الهراوات والأسلحة الخفيفة، واستولى المهاجمون على كميات كبيرة من الذخيرة والبنادق، وهو ما أقلق فرنسا وتسبب في إرباك حقيقي.

في الوقت الذي تم فيه الهجوم، قلق أغلب أعضاء الحركة الوطنية المتحزبين. كانوا يرون في الهجوم هدما لما كانوا يعتقدون أنهم بنوه مع فرنسا في الصيف. لكن الواقع أن هجوم الثاني من أكتوبر، جعل الحكومة الفرنسية تراجع من جديد اختيار تعيين مجلس للعرش بدل ابن عرفة. تركيبة رُباعية اختير لها كل من العالِم عبد الحي الكتاني والباشا الكلاوي والباشا الفاطمي بنسليمان الذي تلقى وعدا بأن يكون وزيرا أول في حكومة مغربية بدون بن عرفة. والمقابل كان أن يوافق أغلب السياسيين المغاربة على مغرب بدون محمد الخامس.

لكن بعد هجوم الثاني من أكتوبر بشهر، وبالضبط في يوم فاتح نونبر 1955، نشرت الصحافة الفرنسية أن السلطان محمد بن يوسف يجري في باريس اجتماعا مع وزير الخارجية الفرنسي لترتيب العودة إلى المغرب.

“بن يوسف إلى عرشه” شعار رفعه المقاومون وأعضاء جيش التحرير الذين رابطوا في الجبال، وبدا واضحا أنهم حافظوا على شعارهم. إلى اليوم، لم ينف من كتبوا عن مذكرات السياسيين المغاربة الذين عاشوا تلك الفترة، أن تكون بعض الأسماء المعروفة قد وافقت على حل سياسي مع فرنسا بدون شرط عودة السلطان الشرعي إلى العرش. ولا يزال هذا الموضوع محرجا لدى الأغلبية إلى اليوم، خصوصا إذا تعلق الأمر بأرشيف الصحف والمراسلات بين هذه الشخصيات وأعضاء الحكومة الفرنسية.

وحده الباشا الگلاوي كان ذكيا، في إقامته المراكشية الفاخرة. عندما صدم الجميع وخرج على أمواج الراديو، يتحدث عن موقف انقلب فيه على كل أصدقائه، ورحّب بعودة السلطان محمد بن يوسف، وهو الذي كان يحاربه قبل عامين فقط، ويجمع التوقيعات لعزله عن العرش.

الكلاوي كان يعرف الفرنسيين جيدا، وأدرك أن فرنسا بعد هجمات الثاني من أكتوبر ليست هي فرنسا التي كانت تفاوض لتشكيل حكومة مغربية تهدف إلى تقزيم أزمة العرش التي بدأت منذ نفي السلطان محمد بن يوسف في غشت 1953.

العملية التي نفذها جيش التحرير في المنطقة التي شملتها الهجمات، أعطت فكرة عن مدى القوة التنظيمية التي كان يمتاز بها تنظيم “جيش التحرير” المغربي. اذهبوا اليوم لكي تزوروا المناطق التي كانت معقلا لهؤلاء المقاومين. سوف تجدون ألا شيء يوحي بما عاشته المنطقة، سوى أطلال مراكز الجيش التي تتبول عليها الكلاب الضالة بكل حُرية. بينما في بلدان أخرى، تتحول مراكز المقاومة إلى متاحف، يقف الناس في الطابور لكي يلتقطوا صورة قربها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى