الديمقراطية.. الدرس الكندي
د. فيروز فوزي
في كل ديمقراطية لابد من توفر ثلاثة شروط أساسية: أولا: كتلتان أو بنيتان سياسيتان قويتان متقابلتان -على الأقل- لهما خطان إيديولوجيان وبرنامجان مختلفان وأهداف ورؤى للشأن العام تكون واضحة.
ثانيا: قانون انتخابي صارم يعزز اللعبة المفتوحة ويقوي من مكانة الانتخابات كرافعة للديمقراطية.
وثالثا: وسائل التواصل السياسي المتاحة من إعلام وقنوات للتواصل مع الكتل الناخبة في الفضاء العام، وفق لعبة مفتوحة وظاهرة للعيان في الداخل والخارج.
بحكم كوني مهاجرة مغربية وحاصلة على حقوق المواطنة التي تخولها لي دولة ككندا.. عشت أخيرا عرسا ديمقراطيا حقيقيا، في 21 من أكتوبر الجاري.
الانتخابات كما قد يعلم الجميع أسفرت عن إعادة انتخاب التيار الليبرالي في شخص «تريدو».
ومعلوم أن كندا يتنازعها جناحان سياسيان هما: المحافظون والليبراليون، هذا دون احتساب تيار الخضر وهو ضعيف إلى حد ما، لكنه يساهم في العملية السياسية من خلال الائتلاف في صف الفائزين أو الاصطفاف في المعارضة.
انتُخب الرئيس الليبرالي لمدة أربع سنوات، وحاز على أغلبية مريحة نظرا لما يتميز به برنامجه السياسي من احترام كبير للأقليات اللاتينية والعربية وغيرها… وقد تجاوب المغاربة هنا مع «تريدو» في مواجهة اليمين المحافظ، الذي وضع قانون 21 ضد الحجاب والرموز الدينية وباقي أشكال التعبير القومي لسكان كندا المهاجرين منهم على الخصوص.
تجلى التمرين الديمقراطي في الحملة الانتخابية، التي كانت بهيجة على وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي ومحطات المترو، لنيل أصوات «البلوك كيبيكوا» وهم المواطنون الأصليون الذين يتكلمون الفرنسية «le peuple de souche»، ويدل عليهم الرمز الأزرق من العلم الكندي، في مقابل الفيدراليين الذين يمثلون اللون الأحمر من نفس العلم، تمثّل الصراع غير قابل للتأويل من خلال النشرات والإشهارات والمطويات والجرائد المجانية في الحافلات والفضاءات العامة..
لكن الأساسي في هذه البهرجة هو أن النخبة الفائزة تلتزم دون هوادة بتطبيق برنامجها الانتخابي.
مثال: وضعت عمدة مونريال برنامجها الخاص بالمدينة ورهاناتها، بعد سنة رصد مجموعة من الأكاديميين إلى أي حد تم تطبيقه، وقد عُممت نتائج البحث التي التزمت بها العمدة نفسها ووُزِّعت بالمجان في نشرة ورقية إخبارية همت أرقاما وإحصائيات مفصلة…
يعيش الكنديون اليوم كسكان أصليين أو مواطنين من الدرجة الثانية هاجس التعايش والخوف من فقدان الهوية.. الهوية التي لا تعني شيئا في التصور والقانون والخطاب والممارسة سوى شيء وحيد، هو المشاركة التي لا تعني شيئا آخر سوى تفعيل حصاد نتائج بناء الديمقراطية.