الديك الفرنسي «الأعور» يخلد اسمه على زقاق وفندق في الدار البيضاء
حسن البصري
يعرف البيضاويون القدامى زنقة «كولي» التي كانت متواجدة في تقاطع زنقة الطاهر السبتي باتجاه درب عمر، والتي تعرف حاليا باسم عبد الله مديوني. كان فرنسوا كولي رفيقا لشخص يدعى نونكيسير، هذا الأخير عرف بتدرجه في مجال البحرية إلى أن أصبح قائدا في البحرية التجارية، وكلما عاد من رحلة إلا ويروي لصديقه كولي حكايات عن بلدان زارها وجزر توقف فيها، في ما يشبه «أدب الرحلات».
حين اندلعت الحرب العالمية الأولى عام 1914، حاول كولي، الذي كان متزوجا وله ثلاثة أبناء، الالتحاق بالقوات البحرية لكن دون جدوى، طلب من صديقه نونكيسير التدخل له حتى يحقق هذه الرغبة التي سكنته لكنه لم يفلح. وبعد أن خاب أمله عاد فرانسوا إلى بيته حزينا ليعيش ليلته تحت كابوس الأرق، كما قال في إحدى رسائله.
لكن فرانسوا تمكن من تغيير التوجه، فالتحق بجيش المشاة في السنة ذاتها، أي 1914، وشاء القدر أن يتعرض في أول المسار لإصابتين خطيرتين، ولم يعد قادرا على خوض المعارك أرضا، ليقترح أحد رؤسائه تحويله إلى مجال الطيران بحكم الخصاص في الموارد البشرية، ووافق على الفور وخضع لتداريب نظرية وتطبيقية استعجالية. وأمام استغراب الجميع قاد فرانسوا الوحدة الجوية «لي كوك» سنة 1917، ونال العديد من الأوسمة الشرفية بعد أن انتهى به الحال إلى فقدان عينه اليمنى ولقبته الصحافة بـ«الديك المشاكس».
ولأنه كان عاشقا للبحر، وأن أمنيته التي لم تتحقق هي أن يصبح قائدا لبارجة، فقد ظل، من موقعه كطيار، يعشق التحليق فوق المحيط والبحر الأبيض المتوسط، وينزل بطائرته إلى أن يوشك على ملامسة المياه، بل إن فرانسوا كولي نجح عام 1919 في عبور البحر الأبيض المتوسط على متن طائرته، ليحطم الرقم القياسي من حيث المسافة المقطوعة.
وضم كولي جهوده إلى جهود كبار طياري فرنسا لمحاولة عبور المحيط الأطلسي، وقرر أن يرافقه صديقه نونكيسير في مغامرة طالما نبهه العارفون بالقطاع الجوي من مخاطرها.
عمل نونكيسير على إقناع صديقه بأهمية المغامرة الجوية، ودعاه لخوضها، خاصة أنه عاش فترة طفولته وشبابه في أمريكا الجنوبية حيث زاول العديد من المهن، راعيا للبقر تارة وسائق سيارات ثم ملاكما. عاد إلى فرنسا قبل إعلان الحرب العالمية الأولى وانخرط في الجيش، حيث حاز على ميدالية عسكرية بعد عشرة أيام من المعركة في مجال البحرية. وبعد هذا الإنجاز، سمح له بدخول مجال الطيران العسكري من أوسع أبوابه.
في سنة 1916 تعرض لإصابة خطيرة بعد تحطم طائرته عند إقلاعها، حيث أصيب في فكه وكسرت ساقاه، ما أجبره على الابتعاد عن هذا العالم رغم رفضه الاعتزال في بادئ الأمر، حيث كان يقضي وقته مع رفيقه كولي الذي فقد عينه.
سيختفي الرجلان عند محاولتهما القيام بذلك في 8 ماي 1927 دون معرفة ما إذا اختفيا في المحيط أو في أمريكا الجنوبية. لكن فندقا صغيرا في الدار البيضاء ظل يحمل بدوره اسم كولي تخليدا لذكراه.