بشير البكر
تحفل وسائل الإعلام بأحاديث عن خلافات بين كل من بايدن ونتنياهو بشأن الدولة الفلسطينية. وتتسرب معلومات عن مشادات ووقف مكالمات هاتفية وإيفاد كل من وزير الخارجية بلينكن، ومستشار الأمن القومي سوليفان، في جولات إلى الشرق الأوسط لمناقشة القضية مع المسؤولين في السعودية ومصر ورام الله، لا تحقق نتائج، بل يصل جواب الرفض صريحا على لسان نتنياهو، وبقية الشخصيات السياسية في المعسكرات الإسرائيلية كافة. ولكن بايدن لا ييأس، وأعلن الأسبوع الماضي أن إقناع نتنياهو ليس بالأمر المستحيل، وخصوصا أن هناك أنماطا مختلفة من الدول المنزوعة السلاح، ويمكن للدولة الفلسطينية التي يطرحها أن تكون مفصلة حسب مصالح إسرائيل، ومقرونة، على نحو خاص، باعتراف بقية الدول العربية بإسرائيل، وإقامة علاقات طبيعية معها.
لو كان بايدن جادا في إيجاد حل للنزاع، لتصرفت إدارته على نحو مختلف تجاه القضية الفلسطينية منذ وصولها إلى البيت الأبيض. وكان منتظرا منها أن تقوم بخطوة نحو تصحيح المسار الذي شقته الإدارة الأمريكية السابقة نحو التطبيع، وطرح صفقة القرن بديلا عن حل القضية الفلسطينية على أساس قرارات الأمم المتحدة الخاصة بحدود 1967. والامتحان المهم الذي لم يقترب منه بايدن هو الاستيطان، وفي وقت أصبحت فيه المستوطنات تشكل ما نسبته 42 في المائة من مساحة الضفة الغربية، وتمت السيطرة على 68 في المائة من مساحة المنطقة «ج» في اتفاق أوسلو لمصلحة المستوطنات، وهي منطقة تضم 87 في المائة من موارد الضفة الغربية الطبيعية و90 في المائة من غاباتها و49 في المائة من طرقها. ثم: لماذا يرفض بايدن وقف إطلاق النار في غزة، إذا كان جادا في حل القضية الفلسطينية؟ وقد تبين أنه لم يمارس ضغطا كافيا على نتنياهو ليسمح بإدخال المساعدات الإنسانية والأدوية، ما يهدد بمجاعة وشيكة.
يبدو نتنياهو أكثر صدقا في موقفه من بايدن، وهو منسجم مع الإجماع الإسرائيلي على رفض قيام دولة فلسطينية، ولذلك يشهر هذا الرفض، ويتمسك به برنامجا انتخابيا للمرحلة المقبلة التي تلي الحرب على غزة، وفي وقت تسعى فيه قوى أخرى للإطاحة به، بسبب الإخفاق الأمني في 7 أكتوبر، يستطيع أن يقدم نفسه على أساس أنه الذي قاوم الضغوط الأمريكية من أجل قيام دولة فلسطينية، وهو بذلك يحافظ على معسكر اليمين المتطرف من حوله، لأنه ضمانة لاستكمال مشاريع الاستيطان والضم والتهجير من الضفة الغربية. وفي السياق ذاته، يتحكم الشأن الانتخابي بتمسك بايدن بورقة الدولة الفلسطينية، وهو يحاول من خلال ذلك خداع قطاعات من الناخبين المؤيدين للقضية الفلسطينية، الذين بات من المرجح أنهم سيصوتون ضده، بسبب موقفه من الحرب الإسرائيلية على غزة. كما يطمح إلى تسويق هذا الموقف عربيا من أجل توسيع دائرة التطبيع، وتقديمه إنجازا سياسيا في المعركة الانتخابية، غير أنه لم يبق من عمر الإدارة أكثر من عام سوف تنفق القسط الأكبر منه في حملة الانتخابات الرئاسية المقررة في نونبر المقبل، ولن يكون لديها الكافي من الوقت للسير في مشروع الدولة الفلسطينية، حتى لو كانت الطرقات معبدة في جميع الاتجاهات.