شوف تشوف

الافتتاحية

الدرس الفرنسي

دخلت احتجاجات أصحاب «السترات الصفراء»، المتظاهرون الغاضبون من زيادة الرسوم على المحروقات في فرنسا، يومها السابع، حيث يواصل المحتجون تحركاتهم عبر إقامة حواجز لإبطاء حركة السير قرب نقاط دفع رسوم الطرقات السريعة وعند الساحات في مناطق عدة. وتمكنت حركة «السترات الصفراء» من حشد أكثر من 283 ألف شخص في أنحاء فرنسا ليشكلوا نحو 2000 تجمع، احتجاجا على فرض ضريبة بيئية على الوقود وزيادة أسعاره، ورفضا لسياسة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون.
انطلقت تظاهرات «السترات الصفراء» بالأساس احتجاجا على ارتفاع سعر المحروقات، لكنها سرعان ما اتسعت لتشمل النظام الضريبي ككل وتراجع القدرة الشرائية، فتحولت إلى موجة غير سياسية متباينة التوجهات والمطالب تندرج في سياق تقليد فرنسي من الاحتجاجات الضريبية. والمؤكد أن هاته الموجة الاحتجاجية ولدت خارج نطاق الأحزاب السياسية الكلاسيكية رغم محاولات عدد من القوى الشعبوية اليسارية واليمينيّة الركوب عليها واستثمارها لتوسيع شعبيتها ومحاصرة شعبية حركة فرنسا إلى الأمام، إلا أنها تبقى منتوجا خالصا للشعب وللطبقة المتوسطة التي تريد من السياسيين أن ينصتوا إلى همومها ويحققوا مطالبها.
احتجاجات السترة الصفراء سرعان ما تجاوزت حدود جمهورية الأنوار لتنتقل العدوى للجارة بلجيكا منذرة باتساع الرقعة لتشمل دولا أوروبية توفر لمواطنيها مستوى محترما من ضمانات الحماية الاجتماعية والعيش الكريم. إن ما يقع بفرنسا من صرخة اجتماعية ينبغي أن يكون درسا بليغا لحكومة سعد الدين العثماني تستمد منه العبر السياسية والأمنية، قبل أن تقدم على اتخاذ أي قرار يحمل اعتداء على الحقوق الاجتماعية والاقتصادية لدافعي الضرائب.
فلطالما أقدمت حكومتا بنكيران والعثماني على اتخاذ سيل من القرارات المرتجلة والعشوائية، مثل رفع الدعم عن المحروقات والرفع من سن التقاعد، والزيادة في الضرائب وأسعار المواد الاستهلاكية.. صحيح أنها لم تتسبب لحد الآن في موجة غضب تشل البلاد وتنقل العدوى بين المدن والقطاعات، لكن ذلك ليس عامل اطمئنان، وما تفكر فيه حكومة العثماني من قرارات تضرب في العمق القدرة الشرائية للمواطنين، من خلال مغامرة رفع الدعم عن غاز البوطان والدقيق والسكر، ينذر بعواقب سياسية وأمنية غامضة لا نعلم متاهاتها ولا كيف سنخرج منها.
ما يقدمه الدرس الفرنسي للحكومة المغربية، هو أن القرارات المبنية على الهواجس المحاسباتية والميزانياتية غير كافية لإقناع دافعي الضرائب بقبول المس بحقوقهم الاجتماعية، هذا في بلد تتوفر فيه الحدود الدنيا من النظام الحمائي، فما بالك في بلد أجهزت فيه حكومات «البيجيدي» على حقوق المواطن وجعلته عرضة لقانون السوق بعدما رفعت الدولة يدها عن كل شيء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى