الخيل مربوطة والحمير تزعرط
في فرنسا أعلن الوزير الأول الجديد بمجرد تعيينه من طرف هولاند في التعديل الحكومي الأخير أن حكومته ستكون حكومة مقاتلة. أي أنها ستخوض معركة ضد عدوين رئيسيين هما نسبة العجز الذي يجب تخفيضه ونسبة النمو الذي يجب رفعه.
في المغرب لا يخجل وزراء حكومة بنكيران من إعلان عجزهم أمام الملأ، وكأننا أمام حكومة فاشلة.
فالداودي، وزير التعليم العالي، الذي أصبحت لديه رائحة الشحمة فالشاقور مع عائلة حليمة العسالي بعدما «تناسب» معها، والذي جاء لكي يصلح الجامعة بعدما غادرها بتعويض سمين بفضل المغادرة الطوعية التي استفاد منها مثلما استفادت زميلته سمية بنخلدون، اعترف بأن الحكومة عاجزة عن القضاء على البطالة، ومنها بطالة الخريجين. وتخيلوا أن الوزيرين الداودي وبنخلدون يدعيان القدرة على إصلاح أحوال التعليم العالي علما أنهما معا غادراه طوعيا واستفادا من مزايا هذه المغادرة ماديا، والآن عادا إليه عبر بوابة الوزارة لكي يشرفا على إصلاح ما غادراه.
أما رئيسهما بنكيران فاعترف أن الارتباك الحكومي هو السبب وراء الزيادة في أسعار الحليب وأنه مستعد لكي يقول هذه الحقيقة للشعب. وإذا زاد بنكيران في الحليب فما الجدوى من شرح ذلك للشعب، «إلى طلقتيها بلا ما توريها دار باها».
ووزير الصحة اعترف بفشله في القضاء على السل أو خفض نسبة الإصابة به. والخلفي وزير الاتصال اعترف بفشله في تحسين أداء القنوات العمومية وطلب من المشاهدين الذين يستاؤون مما يشاهدون أن يبادروا إلى وضع شكايات بالتلفزيونات. وفي قلب التحالف الحكومي كادت قضية الفتيات «السطاشيات» أن تنسف الهدوء الهش بين الإخوة الأعداء داخل الحكومة، حتى إن بنكيران أسس لجنة لاحتواء هذا الخلاف. أما أوزين وزير الشباب والرياضة فيقضي وقته في اللقاءات المفتوحة يجرب مواهبه في الغناء ويحكي عن أول لقاء له بفتاة أحلامه التي ستصبح في ما بعد زوجته وأم أبنائه، متباهيا بأن ثقة الملك وحدها تكفيه، متناسيا أن بنعلو، المدير السابق للمطارات، حصل قبله على وسام ملكي ومع ذلك لم ينقذه ذلك من السجن.
وحتى سيارات الدولة التي رفعت الحكومة شعار ترشيد استعمالها أظهرت الأرقام أن عددها زاد في عهد بنكيران. وكل ما وجده الخلفي لكي يداري به هذه الحقيقة هو الإعلان عن أن تعليمات صدرت لأجهزة الأمن لمراقبة تحركات سيارات الدولة خلال العطل ونهاية الأسبوع. مع أن أحسن طريقة لمراقبة أسطول سيارات الدولة هو تركيب جهاز «جي بي إس» لكل واحدة من هذه السيارات وتوظيف مراقبين قارين تكون مهمتهما مراقبة تحركات هذه السيارات على طول خريطة البلاد. هكذا تكون الحكومة قد خلقت منصبي عمل ووفرت آلاف الكيلومترات وغالونات البنزين على خزينة الدولة.
أما وزير الداخلية فيقضي وقته في شرح ظاهرة «التشرميل» عوض أن يطبق القانون بصرامة ضد كل من تسول له نفسه المساس بأمن وسلامة المواطنين. وهكذا ظهرت أشرطة توضيحية تشرح للمغاربة أن الشباب الذين كانوا يشهرون سيوفهم راقصين ليسوا سوى محتفلين بعيد الأضحى في أحد الأقاليم الصحراوية. وكأن المغاربة يحتفلون بعيد الأضحى بالرقص وليس بصلاة العيد وصلة الرحم. ثم هل هناك مغربي يصدق أن كبش العيد يذبح بسيف وليس بسكين. «مالنا معيدين بفيل»؟
وها نحن قد أصبحنا نسمع عن مجرمين يقتحمون مراكز الأمن والمؤسسات التعليمية ويروعون الموظفين بسيوفهم المسلولة. حتى إن الدار البيضاء التي أرادها الملك قطبا اقتصاديا وماليا أصبحت تتصدر ترتيب أخطر مدينة في المغرب في تقرير للأمم المتحدة.
المدينة «مزبلة» حقيقية وأرصفتها مليئة بالحفر وأنفاقها مظلمة ومع ذلك فمجلس مدينتها يحقق فائضا سنويا قدره 30 مليار، «لاش هاد الفائض»؟
والمصيبة أن المجلس يفتخر بهذا الفائض وكأنه حقق إنجازا عظيما، والحال أن هذا الفائض يعني أن مجلس المدينة لم يحقق المشاريع التي تم الاتفاق حولها، والتي تم تخصيص عائدات مالية لإنجازها. «واش حنا عطيناك الفلوس باش تخدم بيها ولا باش تردها»؟
وهكذا إذا كانت لديهم في فرنسا حكومة المقاتلين فنحن لدينا في المغرب حكومة العجزة. حكومة لديها مبدأ واحد تشتغل به هو مبدأ «سكتو ولا نفضحوكم». ويبدو أن سعد الدين العثماني تفطن، بخبرة الطبيب النفسي، إلى خطورة هذا الوضع الذي استطابه الحزب الحاكم فوق كرسي الحكم، ولذلك قال لهم في آخر لقاء بسلا أمام شبيبة الحزب الحاكم بأن يكفوا عن التماهي مع الحكومة وترديد أغنية «العام زين»، لأن الحكومة محتاجة إلى النقد وليس إلى المدح. وقال العثماني إن الله تعالى عاتب الرسول صلى الله عليه وسلم في أكثر من آية، وكان سبحانه يستطيع أن يفعل ذلك سرا بينه وبين رسوله لكن مشيئته اقتضت أن يفعل ذلك على رؤوس الأشهاد. وإذا كان الله تعالى قد عاتب رسوله علنا فكيف يغضب بنكيران عندما تصنع الصحافة ذلك. طبعا نتحدث عن الصحافة التي لا تؤله بنكيران وحزبه وليس عن «السيرورات» الذين يلمعون الأحذية في جرائدهم بأسعار تنافسية.
والحمد لله أن هذا الكلام جاء على لسان أحد أبناء الدار وليس على لساننا، وإلا لاعتبر أبناء العدالة والتنمية أننا نتطاول على بنكيران وصحبه ونبخسهم أشياءهم، حتى ولو كانت هذه الأشياء تدخل في عداد من قال فيهم الله تعالى «يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا».
وأكبر دليل على ذلك حكاية خفض أسعار بعض الأدوية، فالخلفي عندما ذهب إلى إيمينتانوت استعمل مواهبه في رمي «الطلاميس» على مستمعيه وقال لهم إن الفساد في القطاع الذي يشرف عليه لم يدعه يشتغل، لأنه عندما جاء وجد شركة تحظى بإنتاج برنامج تلفزيوني بمبلغ 500 مليون، وبعد تطبيق نظام طلبات العروض أنتجت نفس الشركة نفس البرنامج بمبلغ 380 مليونا. أي أن الخلفي وفر على خزينة الدولة 120 مليونا. وهي الحكاية نفسها التي رددها الخلفي حول توفيره لميزانية اقتناء الورود بعشرة ملايين وتخصيصها لميزانية التكوين.
ومباشرة بعد هذا الكلام نكتشف كيف أن «كعكة» برامج رمضان ذهب «جطها» الأوفر إلى حساب شركة نبيل عيوش بمبلغ وصل إلى مليار و229 مليونا، فيما تقاسمت الشركات المعروفة نفسها المبالغ المتبقية. وطبعا لا حاجة لكي نعلق على مستوى هذه البرامج، فرائحتها تفوح «من التيساع». ومن سيصاب بسببها بمغص في ذوقه فما عليه سوى أن يعمل بنصيحة الخلفي ويضع شكاية في الموضوع لدى السلطات المختصة للنظر فيها، فسعادته لا قدرة له على النظر في هذه الملفات التي تتجاوز صلاحياته، وحسبه أنه «تدبر» للصحافيين في مائة بطاقة مجانية للقطار، وكأنه يقول لهم «هادا جهدي عليكم».
أما الوزراء الذين ضربوا الحكومة بركلة فقد ذهبوا إلى الفقيه بنصالح لكي يحضروا «التبوريدة» التي نظمها زميلهم الوزير مبدع «مول الشفنج» تحت شعار «ألف فرس وفرس»، على وزن ألف ليلة وليلة. «بقا ليه غير يسميه» مهرجان «الليل والخيل تعرفني».
ولحسن حظ هؤلاء الوزراء أن مقاعدهم كانت في المنصة بعيدا عن التدافع الذي عرفته الحشود التي حجت إلى موسم «سيدي مبدع مول الفديع»، وإلا لكانوا قد تعرضوا للدوس بالأقدام والرشق بالحجارة كما وقع للجمهور الذي أخذته الحمية والحماسة «الشعبية» والانسجام مع أغاني بلال فخرج عن طوعه وانفلت من عقاله. وطبعا فإذا لم تنته سهرة بلال «الطايح كثر من الواقف» فلا يمكن أن نسميها سهرة.
والوزير مبدع يعرف أن أكبر نسبة من الجالية المغربية في إيطاليا هم من منطقة الفقيه بنصالح، فساكنة هذه المناطق كانوا أول من اكتشف إيطاليا في الثمانينيات. ويعرف أيضا أن بلال هو حامل لواء قضايا المهاجرين في إيطاليا والمعبر عن أحلامهم ومشاكلهم، ولذلك جاء به إلى مهرجانه بالفقيه بنصالح لكي يصالحه مع ناخبيه. غير أن ضيوفه تفاجؤوا عندما شاهدوا المعطلين يرفعون لافتتاهم خلف الحسناوات العازفات اللواتي كن يؤدين مقاطع موسيقية حماسية، والتي كتبوا عليها «البطالة في كل مكان وكالك خصنا مهرجان»، و»المواسم والحفلات وبني عمير فالأزمات».
والواقع أن أكثر الوزراء «تبوريدا» في الحكومة ليس هو بنكيران، وإنما الوزير مبدع. ومن شدة ولعه بفن «التبوريدة» فهو يسترخص أي شيء في سبيل نقل الخيول والسروج والفرسان إلى إيطاليا لكي يتبوردوا على الطاليان في عقر دارهم.
غير أن فرحة الوزير «مبدع مول الفديع» لم تكتمل، خصوصا بعدما تعلل رئيس الحكومة ووزراء العدالة والتنمية بأكثر من سبب لتبرير مقاطعتهم لمهرجان «ألف فرس وفرس».
وقديما قال المغاربة «الخيل مربوطة والحمير تزعرط».