حسن البصري
انخرط مجموعة من اللاعبين المغاربة في حملة تضامن سرا وعلانية، مع الطفل ريان الذي بفضله تحركت بركة التضامن الراكدة، وأعلن اللاعب الدولي حمد الله المحترف بنادي الاتحاد السعودي عن تبرعه بشقة مجهزة لفائدة أسرة الفقيد، وعلى نفس المنوال اختار لاعبون آخرون المساهمة في مسح دموع الفئات الهشة التي تصحو وتنام على قساوة العيش في المغرب العميق.
تصنف هذه المبادرات في خانة الإحسان المناسباتي المنفرد، وغالبا ما تنطلق أولى بخات رذاذ التضامن من منصات التواصل الاجتماعي، قبل أن تشد قوافل الخير الرحال إلى مواقع المآسي وسط خفر إعلامي زاده هواتف ذكية وصفحات يلتئم فيها هواة الإثارة الرخيصة.
لا تتوفر الفرق المغربية التي تحمل تجاوزا صفة «الأندية المحترفة» على خلايا اجتماعية تملك آليات التدخل كلما حلت نكبة بالنادي أو محيطه أو الوطن. كل ما تملك هذه الفرق تعزية جاهزة لكل زمان وحافلة قادرة على التحرك نحو المقابر لحمل المشيعين، وفي أفضل الأحوال ينظم قدماء اللاعبين مباراة تأبينيه تضامنية لجمع الصدقات من محسني الكرة لاستدراك حالة سهو عمرت طويلا.
في التقارير المالية للفرق المغربية الكبرى ملايين الدراهم تصرف في غير موضعها، ونفقات نفخ فيها دون أن يعرف الآمر بالصرف سر السمنة التي تعتريها، لكن خانة العمل الاجتماعي الكفيلة بمنح النادي صفة الفريق المواطن، أشبه ببيت مهجور، لا تتجاوز صدقات متناثرة وكفن لمن مات دون أن يجد ما يشتري به كفنا.
لا توظف الأندية المغربية حاملي شهادات العمل الاجتماعي ومهنيي قطاع التضامن، لأنهم يعتقدون أن الكرة كر وفر وجمع للنقط، وباقي خضرة فوق طعام. لهذا حين تحل بالنادي أو الوطن نكبة تغيب حلول التدخل، ولا يبقى أمامهم سوى دقيقة صمت لقراءة الفاتحة على روح الفقيد بترخيص من الحكم.
هناك شبه قطيعة بين اللاعبين المحترفين وأصولهم، نادرا ما يلتفتون إلى مسقط آبائهم وأجدادهم التي تحتاج إلى أيادي بيضاء تنتشل فلذات الأكباد من الهشاشة، لا ندعوهم لبناء الطرقات ومد القناطر وربط الدواوير بالماء والكهرباء، بل نود لو نشروا دعوة الكرة في المغرب العميق، لو بنوا ملاعب للكرة لن تكلفهم سوى أجر شهر أو شهرين، ستحفهم الدعوات كلما داعبوا الكرة وتفتح أمامهم الطرق المؤدية للشباك كما فتحوا لأطفال القرى النائية والمداشر البعيدة فجوة أمل.
كثير من اللاعبين الدوليين «مسك الله عليهم»، ومنحهم من فيض الرزق ما يجعلهم سفراء حقيقيين للنوايا الحسنة في بلدهم، فصدقة في المقربين أولى، فقط نحتاج إلى منظمات ترعى نوايا الإحسان وتستثمر نجومية الأبطال لصناعة تضامن القرب الذي يجعل اللاعب في خدمة قريته وحيه ومدينته ثم وطنه.
حين ينتفخ الحساب البنكي للاعبين المحترفين وتصبح الرواتب والحوافز معفاة من الضرائب، ويقولون للفقر وداعا، يهمس في آذانهم وسطاء معتزلون، يدعونهم لتنظيم مباراة تكريمية واقتناء مقهى يستثمرون فيها جزءا من ثروتهم. لهذا يملك أغلب لاعبينا المعتزلين مقاه حتى أصبحت المقهى مرادفة للاعتزال الكروي.
تستقطب مقاهي نجوم الكرة المناصرين يجدون متعة في احتساء قهوة الصباح والمساء في صخب حديث الكرة الذي لا ينقطع، وفي هذه الفضاءات تنظم خطط العودة إلى الميدانين عبر بوابة التدريب أو الرئاسة.
هناك بعض مشاهير الرياضة المغربية، اختاروا دخول العمل الاجتماعي عبر جسر جمعيات المجتمع المدني، أسسوا كيانات جمعوية حملت أسماءهم، حضرت فيها النوايا الحسنة وخرجت الحكامة من الباب الخلفي، حين عمروا طويلا على رأس مكاتبها واستبدلوا الجموع العامة باللجوء إلى تغييرات اضطرارية في التشكيلة المسيرة على غرار ما يقدم عليه المدربون في ملاعب الكرة.