الخلاف المغربي الأمريكي.. سحابة صيف أم نهاية تحالف؟
كان المغرب وكما هو معروف من بين الدول الأولى التي اعترفت باستقلال الولايات المتحدة، حين تمكنت هذه الأخيرة من التخلص من الهيمنة البريطانية والحصول على استقلالها، بل ربما كان المغرب أول دولة عربية تقوم بهذا المبادرة التي تمت سنة 1777. ومنذ ذلك التاريخ والعلاقة المغربية الأمريكية في تطور مستمر، حيث بلغت ذروة تألقها في العهد الحديث، ويكفي أن نستشهد بقول جورج بوش الابن بأن المغرب يعتبر أهم حليف استراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية خارج حلف الشمال الأطلسي. هذا القول يبين مدى أهمية المغرب في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية.
العلاقة القوية بين أكبر دولة في العالم والمغرب، كانت ولا زالت تقوم على التعاون الاقتصادي والأمني، خاصة بعد استفحال ظاهرة الإرهاب المخترق للقارات، والذي كانت الولايات المتحدة من بين ضحاياه خلال هجمات 11 شتنبر الشهيرة والتي زعزعت ثقة الشعب الأمريكي في نفسه، فبعدما كان يعتقد أنه يعيش في بلد آمن لا يمكن لأي كان أن يتجاسر على تهديده، إذا به يستيقظ على هجمات غير مسبوقة على ترابه، وتنتهي أسطورة أن الأسد لا يمكن للإرهاب أن يدنو من عرينه.
المغرب لعب دورا مهما في الانخراط في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، وتصدى لكل محاولات تنظيم القاعدة أو التنظيم الإرهابي المعروف اختصارا بداعش في استغلال وجود مليشيات البوليساريو جنوب المملكة كي يتمكن من تأسيس إمارات يزعزع بها استقرار المملكة، ويخلق بلبلة يستفيد منها أعداء الوحدة الترابية. وقد شارك المغرب في العديد من المناورات العسكرية مع الجيش الأمريكي، من أجل تحقيق الأهداف المشتركة والمتمثلة في الاستعداد لكل ما من شأنه أن يشكل تهديدا أمنيا لكلا البلدين.
بالنسبة للمستوى الاقتصادي الذي يأتي في الرتبة الثانية، فالولايات المتحدة تعتبر من بين أهم الزبائن الذين يتعامل معهم المغرب تجاريا، بحيث بلغ حجم المبادلات التجارية بين البلدين 3. 79مليار سنة 2011. وقد بلغت صادرات أمريكا للمغرب سنة 2012 ما قيمته 2. 26 مليار دولار. في حين بلغت صادرات المغرب للولايات المتحدة الأمريكية ما قيمته 933 مليون دولار.
هذه العلاقة التاريخية والأمنية والاقتصادية، يبدو أنها تعيش حاليا نوعا من التوتر، فهل سيكون هذا التوتر مجرد سحابة صيف بعدها تعود سماء العلاقات بين البلدين إلى صحوها المعتاد، أم أن مستقبل الولايات المتحدة والمغرب سيعرف تحولا جديدا ليتم فك الارتباط بينهما، ليس بشكل نهائي ولكن على مستوى التوجهات الاستراتيجية.
لا بد من الإشارة أولا إلى أن الخلاف الحالي القائم بين البيت الأبيض والمغرب، وكما هو معروف له صلة وثيقة بملف الصحراء المغربية، فقد تزعمت الولايات المتحدة مشروعا، قادته سفيرة هذا البلد في الأمم المتحدة سوزان رايس، يرمي إلى توسيع مهمة بعثة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في المنطقة. هذا المشروع جعل المغرب يسحب الثقة من المبعوث الأممي كريستوفر روس وهو ما أثار حفيظة البيت الأبيض حين أعلن عن رفضه لخطوة المغرب.
وبعد مدة غير قصيرة كانت زوبعة الخلاف بين البلدين قد بدأت تهدأ، عادت الولاية المتحدة إلى تصعيد التوتر من خلال نشر تقييم سنوي لوضعية حقوق الانسان في المغرب، وقد قدم هذا التقرير صورة لا توافق ما يعرفه المغرب من تطور على مستوى الحريات الجماعية والفردية. طبعا لم نحقق كل ما نصبو إليه في مجال الحريات ولا زال أمامنا طريق غير قصير في هذا المجال، وليست الولايات المتحدة هي من تطالب فقط بتحسين وضعية حقوق الإنسان في المغرب فهناك أحزاب وفعاليات وطنية حقوقية لا زالت تندد ببعض الممارسات التي لم يتخلص منها المغرب في هذا المضمار حتى الآن، كما أن مبادرة هيأة الإنصاف والمصالحة التي ركزت على توصيات من أهمها ضرورة تقوية دولة الحق والقانون بالشكل المطلوب، كل هذا طالب ويطالب به المغاربة حتى اليوم. لكن الصورة المقدمة من قبل الخارجية الأمريكية لم تكن منصفة ومسيسة مما جعل الحكومة المغربية وعلى لسان وزارة الخارجية تصدر بلاغا قوي اللهجة يتهم فيها تقرير الولايات المتحدة بالكذب.
ورقة حقوق الإنسان في الغالب الأعم تستعملها الولايات المتحدة حين لا تكون على وفاق تام مع بعض الدول، وتسكت عنها حين لا تكون إثارة هكذا ملف من مصلحتها. دول كثيرة تنتهك فيها حقوق الإنسان على مسمع ومرأى العالم برمته، لكن الولايات المتحدة تغض الطرف عن هذا الخرق السافر للحريات لأن مصالحها الاستراتيجية تتطلب ذلك.
المغرب وانطلاقا من وعيه بأن السياسة لا تصون عهد صداقة، وإنما الوفاء للمصالح أصبح يهتم بالانفتاح على تحالفات أخرى مهمة، خاصة روسيا والصين الاقتصاد العالمي الثاني. المغرب مطالب وأكثر من أي وقت مضى على تفعيل دور آلياته الدبلوماسية حتى تكون في مستوى التحديات التي يواجهها المغرب، خاصة أن ورقة الإرهاب والانخراط فيه إلى جانب الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة لم يعد مجديا، ولنا أن نستشهد بدور إيران التي كانت إحدى أكبر الدول المناوئة لأمريكا لكن بفضل ذكاء الايرانيين ونجاعة دبلوماسيتهم تمكنوا من جعل الولايات تنصت لهم وتستجيب لطلباتهم، وهذا ما يجب أن تقوم به دبلوماسيتنا في التعاطي مع الأزمة الحالية، لأن لا مصلحة للمغرب في الذهاب بعيدا على درب التصعيد مع الولايات المتحدة.