بالموازاة مع الحملة الإعلامية والسياسية التي تقودها فرنسا، بسبب قرار سيادي للمغرب في التعاطي مع المساعدات الأجنبية، وهي الحملة التي تجاوزت كل الخطوط الحمراء وأصبحت تسعى إلى زرع الفتنة واستغلال كارثة إنسانية للمس باستقرار بلدنا، خرج وزير العدل ليعطي فرصة مواتية للجزائر للظهور بمظهر الدولة البطل التي تريد تقديم المعونات لكنها تواجه باختلاف في مؤسسات الدولة بين الرافضين والموافقين.
وبغض النظر عن أن أعراف المساعدات الأجنبية خلال الكوارث الطبيعية وحتى مرجعيات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي صدرت في 1990، تجعل شرط الموافقة قرارا سياديا للدول المتضررة، إلا أن المعيب في الخرجة الإعلامية لوزير العدل أنها اعتدت على اختصاص دستوري مخول فقط للملك محمد السادس، الذي له السلطة الحصرية في التعبير عن المواقف السيادية من المساعدات الأجنبية سواء عبر بلاغ للديوان الملكي أو توجيه للحكومة أو أحد قطاعاتها المعنية.
والطامة الكبرى أن بعض المسؤولين لدينا يخلطون بين صفتهم السياسية والاختصاصات السيادية، التي يعتبر تجاوزها خطا أحمر لا يمكن السكوت عنه. فأن يتحدث وزير في السياسات العمومية أو التدبير الترابي أو يدخل في بوليميك سياسي في قضايا وطنية، فذلك حقه الدستوري والسياسي الذي لا ينازعه فيه أحد، لكن أن يتطاول على اختصاص الممثل الأسمى للأمة في هذا الظرف بالذات ومع دولة تفعل كل شيء لضرب استقرارنا ووحدتنا فهذه خفة قاتلة وقلة تقدير حتى لا نقول شيئا آخر.
متى يفهم وزيرنا في العدل وكل من يريد أن يمشي على منواله أن الديبلوماسية صحراء مليئة بالقنابل، تفرض على الدبلوماسيين الرسميين والمحترفين مثل ناصر بوريطة حسن انتقاء عباراتهم، فهم وحدهم من يعرفون كيف يخرجون من مآزق اللقاءات الصحفية، لأنهم يعلمون جيدا أن الكلمة الواحدة في الملعب الديبلوماسي قد تقود إلى مصائب استراتيجية، آنذاك لا يمكن تداركها بحيل بلاغات من مصدر مقرب، أو بالبلاغات البالية للأحزاب التي تتهم جهات ومخلوقات غريبة ومشوشين بضرب الصورة الطهرانية للحزب، فحينما تخرج الكلمة في المجال الديبلوماسي ويستغلها الخصم أبشع استغلال فلا يمكن إرجاعها إلى فيه من نطق بها مهما حصل، ويبقى الحل هو ترتيب المسؤوليات الدستورية والسياسية.
للأسف في اللحظة التي يقود فيها الملك محمد السادس والقوات المسلحة والأمنية ورجال السلطة والأطباء والمواطنون ملحمة إنسانية وتضامنية تبهر العالم، لابد أن يخرج من بين قوم السياسيين من «يُرَيِّبُ الحفلة».