شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

الحياة في مكان آخر

يسرا طارق

أظهرت أحداث الفنيدق الأخيرة أننا لم نعد إزاء هجرة سرية يقوم بها أفراد منعزلون أو جماعات صغيرة، وتتم في جنح الظلام وفي أماكن غير محروسة. لقد صرنا إزاء هجرة علنية لا سرية، هجرة تتم أمام الكاميرات، وفي وضح النهار وبشكل استعراضي يتم فيه تحدي القوانين والقوات العمومية، ثم إنها هجرة حشود، آلاف من المراهقين والمراهقات والشبان والشابات. لم يعد الأمر يتعلق بأفراد أو جماعات صغيرة، وإنما بسيل من البشر، فوق أنها هجرة متعددة الجنسيات (مغاربة، جزائريون، تونسيون، سوريون، ماليون، سينغاليون…) يحركها هدف واحد هو الوصول إلى جنة أوروبا.

ظاهرة الهجرة معقدة جدا وتتداخل فيها أبعاد مختلفة، ولا يخلو تاريخ بلد ما من تصدير أو استقبال موجات بشرية تكون في بعض الأحيان كبيرة جدا. بالهجرة عمرت القارة الأمريكية وبالهجرة عمرت أستراليا ونيوزيلاند، وهناك بلدان حديثة خلقتها الهجرة ومازالت في تطور بناء مشروع أمة متماسكة، مثل كندا، وإن كانت هذه الحشود تجمعت لاقتحام سبتة المحتلة كبوابة تدخل منها إلى إسبانيا باعتبارها جنة. وحتى تاريخ قريب، كانت إسبانيا من أكثر البلدان تصديرا للهجرة، بما فيها الهجرة للمغرب، حركية البشر في الكرة الأرضية متقلبة ويمكن لبلدان مزدهرة الآن، وبعد حرب واحدة، أن تصير جحيمًا يريد الناس الفرار منه.

تسائل الهجرة، بهذا الشكل العارم والفج في ما يخص بناتنا وأولادنا، نموذجنا التنموي ودولتنا الاجتماعية، وتسائل عقدين من تنزيل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي استهدفت الإقصاء الاجتماعي والهشاشة وانعدام فرص الشغل، خصوصًا في العالم القروي. ورغم أن ما أنجز في مجال التغطية الصحية والعدالة الاجتماعية والمجالية والدعم المباشر للفئات الهشة، مشهود ولا يمكن إنكاره، إلا أن الخصاص مهول ويطل برأسه، في كل مرة، ليقول لنا إننا لم نقطع بعد الخطوات اللازمة لتوفير الكرامة والعدالة وأسباب العيش لكل المغاربة، وعلى قدم المساواة.

لا تبنى الأوطان بالهرب منها، ولكن بالعمل والمشاركة الفاعلة في صناعة المستقبل، الأوطان وديعة الجدود لكنها أيضا مسؤولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى