الحياة المهنية
تعيين الأطر الجدد قد يبدو مسألة حسابية يحكمها منطق «ملء الفراغ»، لكن بالنسبة لهؤلاء فالتعيين مسألة مصيرية. ونقول مصيرية لأن مكان التعيين الأول بالنسبة إلى أي إطار جديد يصبح، غالبا، مرجعا يغطي المستقبل المهني، فكم من مدرس، مثلا، شكّل مقر العمل الأول بالنسبة إليه منطلقا للنجاح وتحقيق مكتسبات عائلية ومهنية ودراسية، والعكس صحيح، إذ كم من مدرّس أصابه الإحباط من مقر عمله الأول، فبدل أن يعالج الداء بالدواء المناسب، سارع إلى علاجه بداء آخر، فمن المدرسين من يسارعون إلى الزواج دون تفكير، ومنذ السنة الأولى، ومنهم من يطرقون أبواب «المتع» الأخرى ليدخلوا «الكريدي» من أوسع أبوابه..
والأمر نفسه بالنسبة إلى المُدرّسات، فكم من مُدرّسة ساعدها الحظ في تعيين مكّنها من أن تلتقي بزوج وأسسا معا أسرة وأنجبا أبناء، وأيضا إتمام دراستها والحصول على شهادات عليا، ومن ثمة تغيير إطارها القديم نحو إطارات أرقى، والعكس صحيح أيضا، فكم من مُدرّسة كان مقر عملها سببا في «عنوستها» أو سببا في فشل زواجها…ومن بين هؤلاء المدرّسين والمدرّسات من يرتبون، بعفوية، أمور زواجهم قبل التعيينات، ليبدؤوا «ملاحم» من المعاناة بسبب البعد والإحباط الناجم عن سنوات من انتظار الالتحاق.
عندما تتاح لك فرصة زيارة مدرسة أو مركز لتكوين المدرسين، تتاح لك فرصة أن ترى الأحلام تُبنى. أحلام شابات وشباب في عمر الزهور اعتبروا ولوج المركز أو المدرسة للتكوين في سلك التدريس نهاية المشكلة الكبرى، مشكلة البطالة، دون أن ينسوا الاعتقاد أن ما يقال عن قسوة التعيينات ما هو إلا كلام «فاشلين». ومن هؤلاء الشباب والشابات من يذهب بهم الحلم بعيدا إلى حد اتخاذ قرار «الالتزام» والتخرج من مركز التكوين نحو «قفص الزوجية» مباشرة.
ولأن فترة التكوين هي الفترة الوحيدة والأخيرة للحلم لدى هؤلاء الشباب والشابات، فإنهم يغتنمون المناسبة للذهاب بالخيال إلى حدوده القصوى، مثل «هندسة» بيت الأحلام واختيار الألوان والديكورات المناسبة له.. وبعد أن يستغرق هذا الحُلم منهما ردحاً من الزمن، ويبدآ في تصديق أحلامهما السابقة، تأتي التعيينات الصادمة.
ولأن ما تم «اقترافه» من أحلام إبان التكوين انتهى مع التكوين بواقع التعيين، فإن صدمتهما الأولى تكون عند سماعهما التعيينات ليجدا نفسيهما متباعدين بمئات الكيلومترات.. أما الصدمة الثانية فتبدأ عندما يحل كل منهما بالبلدة التي تحتضن مقر عمله(ها) الأول، فتجد المُدرسة الشابة مديرا «مخزز» وحارسا عاما «متفائل» بقدوم المدرسات الشابات.. وزملاء يعرضون، كل حسب «أسلوبه»، المساعدة على المُدرسة الشابة.. أما المدرس الشاب، فإلى جانب «مدير ينتظر تقاعده»، فإنه تكون في استقباله أيضا «زميلات» يتفاءلن، هن أيضا، بالخريجين الشباب. أما الصدمة الثالثة فستكون مع المفتشين، إذ منهم «المتعالم»، القادر على الإفتاء في كل شيء، ومنهم «البوليسي»، ومنهم المتصابي، ومنهم «الغائب» دائما…
وبعد أشهر من العمل، يتذكر المدرس الشاب «ورقة الدفتر»، التي «اقترف» فيها أحلامه المتفائلة، فيبدأ في «إعادة جدولة» أحلامه من جديد، لأنه انتبه إلى أن ديونه التي راكمها في حياته الجديدة لم يدونها قط..فالحلم في التكوين ليس هو الواقع في التعيين..