الحوار مبدأ إسلامي
د. محمد ديـرا
من خلال نصوص القرآن الكريم وصحيح الأحاديث النبوية نجد أن الإسلام دعا إلى الحوار بصيغ مختلفة، كما دعا إلى التعاون مع الآخر المختلف دينيا كمقدمة ضرورية للحوار، فالتعارف هو مدخل الحوار، يقول سبحانه وتعالى: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا» (الحجرات: 13)، ويتمثل التعارف في دراسة كل طرف لِمُتَبَنيات وأفكار الطرف الآخر من مصادره نفسها لتكون حجة عليه، فضلا عن تبادل المعلومات ولقاءات المجاملة لتكون مقدمة للحوار.
أما الحوار الذي يدعو إليه الإسلام فهو الحوار الهادف الذي يتسم بالتجرد والموضوعية والعلمية، وقد وضع القرآن الكريم للرسول صلى الله عليه وسلم قواعد هذا الحوار في دعوته: «قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم» (آل عمران: 64)، ويريد بذلك الاتفاق على حد معين من أسس الحوار الموضوعي، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله لنصارى نجران: «وإنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين» (سبأ: 24) يقصد التجرد في الحوار للوصول إلى الحقيقة مهما كانت، على الرغم من أنه موقن بصحة معتقداته، إذ أن هذا اليقين لم يمنعه من الإيحاء إلى الطرف الآخر بأنه سيدخل الحوار دون أن يحمل مواقف أو أحكام مُسبقة.
والقرآن الكريم مليء بمختلف أنواع الحوار ومظاهره، ولاسيما الحوارات التي يكون الأنبياء والصالحون طرفا فيها، فيما الطرف الآخر أقوامهم أو الحكام أو أتباع المعتقدات والديانات الأخرى. وقد رسم القرآن الكريم الخطوط العامة لمناهج وأساليب كل مظهر من مظاهر الحوار، كما وضع أهدافا مدروسة لذلك، فالحوار ليس هدفا بذاته، بل هو وسيلةٌ لأهدافٍ تعود بالفائدة والنفع على الدين الحنيف والإنسانية جمعاء.
وإذا انتقلنا إلى حوار الحضارات بثوبه الجديد فسنجده فكرة هادفة وجادة، ولا يخرج عن كونه مبدأ إسلاميا قرآنيا. ولعل من أبرز أهدافه محاولة التمهيد لتوازن دولي ووفاق علمي يكون فيه للحضارات والثقافات والحكومات والشعوب دور أساس، ومحاولةٌ لسد الباب أمام قوى الشر التي تمارس مختلف ألوان التمييز السياسي والعنصري والجغرافي بين شعوب العالم، إضافة إلى كونه محاولة لتحقيق التكافؤ والشعور بالمسؤولية لدى كل من يقيم على هذه الأرض، تجاه الأرض وسكانها وبيئتها ومستقبلها، وبالتالي العمل المشترك على نشر السلام والأمن في كل العالم، وهو الهدف الذي يدعو إليه الإسلام الذي هو دين السلام والحوار.
ولا شك أن أي شكل من أشكال الحوار لا بد وأن يتم في مناخ مناسب يسوده الأمن والسلام، ويتسم بتكافؤ الفرص بين المتحاورين، وحرية التعبير عن الرأي، وأن لا يكون حوار القوي والضعيف أو الحاكم المستبد والمحكوم، ففي هذه الحالة يضيع أي تكافؤ بين المتحاورين، ويكون منطق السيف والخوف هو المتحكم بمسار الحوار، ومن الطبيعي أن لا يخرج مثل هذا الحوار بنتيجة نافعة. وإذا خصصنا الحديث عن الحضارات فإن إيجاد المناخ المناسب للحوار بينها هو الشرط الأساس لدخول مثل هذا الحوار، لأن الحضارات تتباين فيما بينها من حيث حجم القوة، ونوعية الامتداد والاستمرار، وطبيعة أدوات التعبير التي تمتلكها، والمناخ المناسب الذي يتمثل في الحوار المتوازن هو الوجه الآخر للعلاقة المتوازنة المتكافئة بين الحضارات، والتي تختفي فيها وسائل الضغط ومنطق الترغيب والترهيب. ولا نقصد –هنا- بوسائل الضغط الأدوات العسكرية فحسب، بل وسائل الضغط بكل أشكالها ومضامينها، والتي تعبر عن تفوق طرف على آخر، ومنها الأدوات السياسية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية، وصولا إلى أدوات الاتصال والتعبير عن الرأي، بل حتى مناهج العلوم الاجتماعية والإنسانية التي تؤسس لإيديولوجية التفوق والقوة لدى عِرق دون آخر ولون دون آخر، فهذه المناهج يمكنها أيضا أن تكون أدوات للضغط خلال الحوار، فيستثمرها المتفوق في هذه المرحلة الزمنية للقيام بالتأثير النفسي على الأطراف الأخرى ومحاولة مصادرة آرائها، وإيقاع الهزيمة بها بسلاح المنهج العلمي المزعوم.