حسن البصري
كنا نعتقد أن أشرس المعارك بين مدربي الفرق المغربية تتم في رقعة الملاعب لا خارجها، وأن أقوى المعاكسات تكون عبر خطط مضادة تجعل المدرب يطيح بخصمه.
كان عبد المالك العزيز ضيفا على محطة «راديو مارس»، شرح للمستمعين الخطط الممكنة والمستحيلة لسحل الخصوم، وقدم وصفته التكتيكية لكسب المنازلات الرياضية. وحين غادر مقر الإذاعة وجد نفسه في مواجهة هشام العمراني، المدرب السابق للرشاد البرنوصي، في الشارع العام. بدأت المواجهة بلوم وعتاب وتطورت إلى ملاسنات ومناوشات ومناقرات ولكمات انتهت بسقوط العزيز أرضا وانسحاب هشام.
في مثل هذه المعارك تسبق صحافة الإثارة سيارة الإسعاف ورجال الأمن، ويصبح «البوز» أهم من سلامة المواطن، وحين يستفيق الضحية من غفوته، يقرأ عشرات التصريحات التي صنعتها صحافة الحوادث في غفلة من المعني بها، وعلى المتلقي أن يقرأ قبل الحذف.
أما الموقع الرسمي للرشاد البرنوصي فقد ناب عن المحققين وقدم خبرا بحبر الإدانة، وحدد صفة واسم الفاعل وأداة «الجريمة» وأصدر حكما قد يعرض حياة مدربه السابق للخطر. بينما لزمت هيئات المدربين الصمت ولم تكلف نفسها صياغة بيان يدين مناقرات المدربين، وحده رئيس ودادية المدربين زار العزيز في غرفته وطلب منه الصفح عند المقدرة.
لا أحد يشك في طيبوبة العزيز وقدرته على خوض التحدي، يكفيه شلال التعاطف الذي غمر سريره في المصحة، لكن العمراني يفيض جرأة ويفكر دوما بصوت مسموع، لا يمكن للاعب دولي سابق كهشام، أن يجوب شوارع الدار البيضاء حاملا عصا بيزبول أو برفقة كلب بيتبول أمريكي، إلا إذا استقال من آدميته.
قدم العمراني اعتذاره للعزيز، واعترف بأن حبه للرشاد تجاوز الحدود، وأنه المدرب الوحيد الذي درب الرشاد دون عقد مكتوب مكتفيا بعقد الوفاء للفريق الذي صنع منه لاعبا دوليا.
من جهته، قبل العزيز التحدي وركب صهوة الرشاد وكله أمل في تكرار ملحمة الصعود، قبل أن يلقى مصيرا آخر، ويصبح فرجة مشاعة قرب بوابة مسرح سيدي بليوط.
لكن ليست معركة البرانصة هي الأولى في تاريخ المعارك بين المدربين، فقد قال رضوان الحيمر في حق زميله زكرياء عبوب ما لم يقله زعيم كوريا الشمالية في ترامب، ودارت معركة كلامية بين الزاكي وفاضل، وبين يوسف روسي ومؤطر رجاوي، واندلعت في دورة تدريبية بالمعمورة مواجهة دامية بين مدربين مغاربة في طور التكوين، وما خفي أعظم.
كل هذه المعارك مرت بردا وسلاما، لأن لجنة الأخلاقيات واجهت اللكم والصفع خارج المستطيل الأخضر بلازمة «عدم الاختصاص»، مؤمنة بالمثل الشعبي القائل «خوك في الحرفة عدوك».
في مصر حطم المدرب المصري حسام حسن الرقم القياسي في المنازلات العنيفة ضد زملائه، سجل هذا الرجل حافل بالمعارك منها ما انتهى بالضربة القاضية، ومنها حسم بفوز بالنقط. لم يسلم من هجمات حسام بعض الحكام واللاعبين وحتى المصورين وجامعي الكرات.
حين كان مدربا للنادي المصري، تهجم على مصور وحطم آلة التصوير وسحله على أرضية الملعب، قبل أن يتبين أن المصور رجل أمن سري، يرصد بعدسته انفلات المشجعين ليكتشف أن الانفلات قادم من المدرب الذي قضى أياما رهن الاعتقال بسبب الاعتداء وسرقة موصوفة لـ«كارت ميموار».
في إنجلترا بلد الدم البارد، جرت معارك بين المدربين أشهرها معركة على خط التماس بين توماس توخيل مدرب تشيلسي وأنطونيو كونتي مدرب توتنهام، وصل حد الاشتباك وكشف توخيل عن صلابة ساعده في الندوة الصحفية. وامتدت المعركة إلى منصات التواصل الاجتماعي لتصبح مادة دسمة للصحافة البريطانية، بينما تعامل اتحاد الكرة مع النازلة بدم بارد.
في بطولتنا إذا تعارك مدربان يكسر ما سبق.