شوف تشوف

الرئيسيةالملف السياسيسياسية

الحكومة ورهان محاربة الفساد

نص دستور المملكة لسنة 2011، في عدد من بنوده، على دعم كل الآليات التي من شأنها ترسيخ قيم الشفافية وتعزيز النزاهة والإنصاف والحكامة الجيدة ومكافحة كل مظاهر الفساد، من خلال ربط المسؤولية بالمحاسبة، وذلك من أجل الحفاظ على الأموال والممتلكات العمومية. ومن أجل تخليق الحياة العامة وبناء الثقة لدى المواطن ولدى المجتمع الدولي في المؤسسات والهيئات العامة، تم تعزيز الأدوار الرقابية وأدوار التتبع والتقييم والتشاور والوساطة الموكلة للمؤسسات الدستورية المعنية بترسيخ الحكامة الجيدة.

مقالات ذات صلة

وتعتبر مكافحة الفساد مجالا التقائيا تتقاطع فيه السياسة الحكومية مع سياسة باقي الفرقاء من مؤسسات حكامة ومجتمع مدني وقطاع خاص، كما يتعلق شق منه بالتعاون الدولي مع مختلف المنظمات والهيئات الدولية الداعمة للمجهودات الوطنية الأفقية أو القطاعية.

وفي هذا السياق، اعتمدت المملكة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد في سياق دينامية وطنية تتميز بالوعي المتزايد لدى المواطنين والمجتمع المدني بآفة الفساد. وجعلت هذه الاستراتيجية من بين أهدافها تعزيز ثقة المواطنين من خلال جعل الفساد في منحى تنازلي وتوطيد ثقافة النزاهة في عالم الأعمال وتحسين مناخه مع تعزيز موقع المملكة على الصعيد الدولي، وتم إعدادها وفق مقاربة مندمجة ومتكاملة، كما تم التركيز على الإجراءات العملية وذات التأثير المباشر على الفساد من خلال اعتماد حقيبة مشاريع موزعة على عشرة برامج موضوعاتية تروم تحقيق 31 هدفا استراتيجيا، تتولى تنسيقها بعض القطاعات الوزارية إلى جانب ممثل عن القطاع الخاص، ويتم تنفيذها على مدى عشر سنوات من 2016 إلى 2025.

غير أنه، رغم الجهود الرسمية المبذولة من طرف الدولة، تواصل المنظمات الدولية ضغطها على المغرب في مجال مكافحة الفساد، حينا بتقارير تنتقد الوضعية أكثر مما تبرز التقدم الحاصل، وتارة أخرى بتصنيفات تثير انتقادات رسميا وشكوكا من المتابعين للوضع في المغرب، والمجهود الذي يبذل في السياق.

 

إعداد: النعمان اليعلاوي

 

نص دستور 2011 على آلية تشكيل لجان تقصي الحقائق، ومهمتها جمع المعلومات المتعلقة بوقائع معينة، أو تدبير المصالح أو المؤسسات والمقاولات العمومية… وتنتهي مهمة كل لجنة لتقصي الحقائق فور فتح تحقيق قضائي في الوقائع التي اقتضت تشكيلها، كما نص الدستور على ضمانة استقلالية المجلس الأعلى للحسابات المكلف بمراقبة المالية العامة، عبر تدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبة، بالنسبة إلى الدولة والأجهزة العامة.

وخصص الدستور بابا كاملا لمبدأ الحكامة الجيدة، إذ ينص الفصل 154 على أن المرافق العامة تخضع لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، والفصل 158 على إلزامية تقديم تصريح بالممتلكات للأشخاص المنتخبين أو المُعينين، فيما ينص الفصل 159 على استقلالية الهيئات المكلفة بالحكامة. وأكد الدستور، كذلك، على استقلالية مجلس المنافسة، المكلف بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق.

ونص الفصل 167 على إحداث الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، محدداً مهامها في «التنسيق والإشراف وضمان تتبع وتنفيذ سياسات محاربة الفساد، وتلقي ونشر المعلومات في هذا المجال، والمساهمة في تخليق الحياة العامة، وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة وقيم المواطنة المسؤولة».

ويعتبر إقرار نموذج تنموي جديد، حسب مختصين، فرصة جديدة لمحاربة مظاهر الفساد. وأشار رئيس «الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها»، محمد بشير الراشدي، إلى أن المرحلة الجديدة في مكافحة الفساد يجب أن تقوم على مبدأ سيادة القانون، الذي يجعل من الشفافية والحكامة قواعد لا غنى عنها لتلبية الانتظارات المشروعة للمواطنين في إطار النموذج التنموي الجديد، وأن إصدار التقرير السنوي للهيئة يأتي في سياق استثنائي يتسم بوجود مجموعة من المؤشرات الإيجابية، والعزم على مباشرة إصلاحات عميقة، كفيلة بصون كرامة المواطنين، وضمان ولوجهم المنصف لحقوقهم والاستجابة لتطلعاتهم المشروعة في حياة مزدهرة.

في خوضه معركة مكافحة الفساد والرشوة، عمل المغرب على تعزيز آلياته المؤسساتية والقانونية، ومن ذلك إحداث «الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها»، بمقتضى الفصل 36 من الدستور. ونصّ مشروع قانون الهيئة المذكورة على إمكانية أن تتصدى الهيئة تلقائيا إلى كل حالة من حالات الفساد التي تصل إلى علمها، كما يمكنها القيام أو طلب القيام، من أي جهة معينة، بتعميق البحث والتحري في الأفعال التي ثبت للهيئة، بناء على معطيات أو معلومات أو مؤشرات، أنها تشكل حالات فساد، واتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل ترتيب الآثار القانونية في ضوء النتائج.

ومنح مشروع القانون الجديد الهيئة، أيضا، إمكانية التماس تسخير القوة العمومية لمؤازرة مأموريها في القيام بمهامهم خلال أعمال البحث والتحري. وعمل مشروع القانون على إعادة صياغة المقتضيات المتعلقة بتحديد مفهوم الفساد، وذلك بغاية توسيع نطاق تعريفه ليشمل جريمة تبديد الأموال العمومية ولما قد يجرمه المشرع مستقبلا من أفعال، إلى جانب المخالفات الإدارية والمالية التي تشكل سلوكيات تتسم بالانحراف وعدم حماية الصالح العام، وتناقض القواعد المهنية ومبادئ الحكامة وقيم الشفافية والنزاهة.

 

مقترحات لمواجهة الفساد

كانت مؤسسة الشفافية الدولية (ترانسبارانسي)، بعد مضيّ سبعة أشهر على تنصيب الحكومة، وجهت مذكرة إلى رئيس الحكومة دعت فيها إلى «أن تتولّى فيها الحكومة زمام القيادة بالتوافق مع القضاء للإشراف على الامتثال للقانون وتعزيز استقلاليته». وساءلت مضامين المذكرة، عزيز أخنوش، عن مسار تفعيل مقتضيات ومضامين «الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد» التي ظلّت مُجمَّدة منذ إعدادها والتصديق عليها أواخر عام 2015؛ مطلبٌ يظل أكثر إلحاحاً حسب أعضاء المكتب التنفيذي لـ«ترانسبرانسي المغرب»، التي طالبت الحكومة بـ«توضيح سياستها في مجال تضارب المصالح والإثراء غير المشروع، وتحديد الإجراءات التي ستتخذها لتعزيز موارد الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها من أجل ضمان استقلاليتها وفعاليتها».

ولم تُغفل «ترانسبرانسي» التذكير، ضمن مذكرتها، بأن «الفساد المستشري ببلادنا ذو طبيعة مزمنة ونسَقية، وهو ما تؤكده المراتب المتدنية التي يحتلها المغرب في مؤشرات مُدركات الفساد، إذ حصل على نقطة 39/100 والمركز 87 في نسخة 2022، مسجلاً انخفاضًا قدره 4 نقط في درجته و14 مركزًا مقارنة بعام 2018 من بين 180 دولة».

ومن بين أبرز مطالب الجمعية الموجهة إلى رئيس الحكومة أن تتم «إعادة الاعتبار لمجلس المنافسة، بالحد من التدخل في صلاحياته الدستورية وإثارة العوائق أمام ممارسة صلاحياته، بدءا بتطبيق العقوبات المستحقة بخصوص ملف المحروقات، بعد ما تأكدت الخروقات المرتكبة من طرف أعضائه بعد إجماع البرلمان وباقي هيئات الإشراف على النتائج نفسها وثقلها المالي»، تضيف الوثيقة ذاتها، قبل أن تقف أيضاً عند مطلب «مراجعة قانون التصريح بالممتلكات والسماح بالوصول إلى المعلومات المتعلقة به، ليس من قِبَل هيئات التتبع والمراقبة فحسب، بل من قبل كل من له مصلحة في ذلك».

فضلا عن ذلك طالبت الجمعية الحقوقية بـ«مراجعة القانون رقم 13-31 المتعلق بالحق في الوصول للمعلومات برفع الاستثناءات العديدة غير المبررة، وخاصة إلغاء الردع من خلال الملاحقة الجنائية لمستعملي المعلومة في حالة ما لم تَرُق الإدارة المعنية، وغياب ردع الموظفين الممتنعين أو المتقاعسين عن تقديم المعلومة، وفعالية لجنة الوصول إلى المعلومات، بما في ذلك فك ارتباطها بلجنة حماية المعطيات الشخصية».

 

تقارير مضادة

 

لا تفتأ التقارير الدولية تنتقد وضعية محاربة المغرب للفساد، حيث اعتبر آخر تقرير صدر لمنظمة الشفافية الدولية أن المغرب يعيش وضعية فساد عامة، دون وجود آفاق للخروج من هذه الوضعية، حيث تظل كل التوصيات الصادرة للبلد حبرا على ورق ولا تجد آذانا صاغية لتفعيلها على أرض الواقع. وأشار تقرير المؤسسة حول وضعية الرشوة، من خلال مؤشر الرشوة لسنة 2022 ومؤشر الميزانية المفتوحة 2021 ومؤشر الديمقراطية، إلى التقهقر الذي يعرفه المغرب في التصنيفات الدولية المرتبطة بالفساد، حيث يحافظ على تموقعه في المراتب المتأخرة.

وفي مؤشر ملامسة الرشوة احتل المغرب سنة 2022 المرتبة 94 من أصل 180 دولة، بـ38 نقطة، ليتراجع بسبع مراتب مقارنة مع سنة 2021، و14 مرتبة مقارنة مع 2011، و21 مرتبة مقارنة مع 2018، ليكون تصنيف المغرب في 2022 هو الأسوأ على مستوى مؤشر الرشوة. وأبرز التقرير، كذلك، أن الرشوة متفشية في الإدارات العمومية بشكل كبير، ويلامسها المواطن في حياته اليومية، حتى وإن كانت حدتها تتفاوت حسب الإدارات والقطاعات، مؤكدا الترابط الكبير بين تفشي الفساد وغياب الديمقراطية، فالبلدان الموجودة في المراتب المتقدمة على مستوى مؤشر الديمقراطية هي الدول التي تعرف انخفاضا كبيرا في الفساد، وكلما قل منسوب الديمقراطية زادت حدة الفساد وتفشيه.

وأوضح التقرير أن المغرب يحتل المرتبة 95 في مؤشر الديمقراطية، ويشهد بالتالي تفشيا كبيرا للفساد، فالديمقراطية بالمغرب تقتصر على الواجهة لتحسين الصورة على المستوى الخارجي، في حين أن الواقع المعاش مختلف، لافتا إلى أن محاربة الفساد تكون عبر مؤسسات ديمقراطية، وتفعيل دولة الحق والقانون، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وهو ما يغيب عن المغرب، متوقفا على المرتبة غير الجيدة للمغرب على مستوى مؤشر الميزانية المفتوحة، وهو المؤشر المرتبط بمدى الوصول إلى المعلومة، ومراقبة الميزانية من طرف المؤسسات المعنية وكذا مشاركة المواطنين في هذه الميزانية من البداية إلى النهاية.

ورصد التقرير وجود ثغرات كثيرة في قانون الحصول على المعلومة، إضافة إلى عدم احترامه وتطبيقه، ومنع الصحافيين من الوصول للمعلومة، ناهيك عن غياب مؤسسات مستقلة لمراقبة المالية العمومية، مبرزا أن محاربة الفساد تبقى مرتبطة بالحكامة الجيدة الغائبة في المغرب وبالديمقراطية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وهو المبدأ الدستوري المعطل، ووجود مؤسسات مستقلة وليس مؤسسات شكلية لا تقوم بواجبها.

ونبه التقرير إلى أن هيئات الرقابة بالمغرب غير مفعلة، ومفتشيات الوزارات تعرض نتائجها على الوزير الذي له إمكانية التجميد، ناهيك عن أن التشريع غير جيد على مستوى محاربة الفساد، ولا يوجد تجريم للإثراء غير المشروع، وحتى في تطبيق التشريع الموجود هناك انتقائية في المتابعات ومؤسسات لا تحاسَب.

وخلصت « ترانسبرانسي المغرب» إلى أن المغرب لم يقم بشيء لتغيير واقع الفساد، فالتشريعات الموجودة على علاتها لا تنفذ، كما هو الشأن بالنسبة لقانون الحصول على المعلومة، والفساد عام ومعمم دون وجود مؤسسات حقيقية لمناهضته، ووضعية الإفلات من العقاب مستمرة.

عقدان من محاربة الفساد.. ركود وجمود

 

 

أكد محمد بشير الراشدي، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أن مؤشرات مدرَكات الفساد التي تتبَّعتْها هيئته على مدى سنوات، رصدت «شبه ركود على مدى عقدَين»، خالصا إلى أن «المغرب لم يُحسِّن ترتيبه، بينما تنقيطه لم يرْقَ إلا بنقطة واحدة». فيما عرفت ظاهرة الفساد «تدهورا عالميا»، جراء جائحة «كوفيد- 19».

مستدلا بأرقام دالة ضمن مبيان عن تطور مؤشر الفساد بين 1998 و2022، أوضح المسؤول ذاته أمام برلمانيي لجنة مراقبة المالية العامة بمجلس النواب، ضمن اجتماع لهذه الأخيرة أن «تطور وضعية الفساد بالمغرب يؤكد استمرار الوضع غير المُرْضي».

تبعا لذلك، كشف الراشدي ما قامت به الهيئة من أبحاث ودراسات استهدفت «تعميق المعرفة» بالوضع الراهن لظاهرة الفساد بالمغرب، من خلال «استقراء نتائج المؤشرات والتقارير الدولية والوطنية، وإنجاز دراسة تحليلية وتفصيلية لمكونات مؤشر مدركات الفساد وتحيين معطياتها سنويا»، كما أن هيئة الوقاية من الرشوة فتحت ورش البحث العلمي لتطوير منهجية وتقييم أثر الاستراتيجيات والسياسات العمومية ذات الصلة، يورد المتحدث ذاته مخاطبا أعضاء اللجنة النيابية، واضعا هذه الأبحاث والدراسات «في أفق الإلمام بالعوامل المؤثرة، وإغناء وتقوية توجيه السياسات العمومية في مجال الوقاية من الفساد ومكافحته».

ودشنت لجنة مراقبة المالية العامة بمجلس النواب مسار اجتماعاتها، ضمن برنامجها السنوي 2023، بأول لقاء في مسار دراسة «التقرير السنوي للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها برسم سنة 2021»، وتمفصَل العرض المفصل، حول ثلاثة محاور أساسية؛ فبعد إلقاء «نظرة موجزة عن إنجازات الفترة التأسيسية 2019-2022»، تطرق الراشدي إلى التقرير السنوي برسم 2021، قبل أن يقوم بـ«تقديم خلاصات التقارير الموضوعاتية» التي أنجزتها الهيئة التي يرأسها.

في سياق متصل، أفاد الراشدي بأن الهيئة أصدرت تقارير سنوية منتظمة أعوام 2019 و2020 و2021 «ذات أبعاد استراتيجية وتأطيرية»، كما خلصت ضمن حصيلة عملها (إلى حدود اليوم) في 34 تقريرا وموضوعا ذا أولوية إلى «ما يناهز ألف اقتراح وتوصية». وضمن عرضه حول التقرير السنوي للهيئة برسم 2021، اشتكى الراشدي مما وقفت عليه الهيئة من «ضعف التفاعل أو شبه انعدامه مع توصيات التقارير السابقة من طرف السلطات المعنية».

وتخص هذه التوصيات والاقتراحات غير المتفاعَل معها، حسب ما اطلعت عليه «هسبريس»، خمس ركائز أساسية هي: مقاربة جديدة للشفافية وجودة الخدمات العمومية (التحول الرقمي الشامل كرافعة للشفافية، مشروع مرسوم بمثابة مدونة قيم وأخلاقيات الموظف)، وتشريعات من أجل تجفيف بؤر الفساد (سيما مكافحة الإثراء غير المشروع، ومنظومة التصريح الإجباري بالممتلكات، الحكامة المسؤولة).

كما دعت الهيئة ضمن أبرز توصيات تقريرها إلى «وضع إطار يُلزم ويُقنن التصريح بحالات تضارب المصالح»، مع «تعزيز منظومة التبليغ عن أفعال الفساد وحماية المبلغين»، داعية إلى «تشريع جنائي يستجيب لمتطلبات مكافحة الفساد»، والشراكة بين القطاعين العام والخاص لتحسين «نزاهة مناخ الأعمال». كما نادت الهيئة، وفق ما استعرضه الراشدي خلال اللقاء ذاته، بضرورة اعتماد «آليات الإحالة المؤسسية لجرائم وأفعال الفساد»، مع «حماية الموظفين العموميين «مثيري الانتباه» إلى أفعال الفساد».

 

محمد الغلوسي* *رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام

«تحريك المتابعة في ملفات الفساد المالي إيجابي وتجب تقوية مؤسسات الحكامة»

 

رحبت الجمعية المغربية لحماية المال العام بالتحقيق الذي طال العديد من المتهمين ضمنهم أطر مركزية وجهوية وموظفون ومهندسون يعملون بقطاع الصحة، كما ثمنت ذات الجمعية بالقرار القضائي حول المتورطين بقطاع الصحة واعتبرته قرار شجاعا ويتجاوب وتطلعات أعضاء وعضوات الجمعية المغربية لحماية المال العام ومحاربة الرشوة.

وقال محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال ومحاربة الرشوة إن الجمعية سبق لها وأن تقدمت بشكاية إلى رئاسة النيابة العامة حول هذه الإختلالات التي اعترت تدبير الصفقات العمومية خلال جائحة «كورونا»، وأضاف الغلوسي، أن هذه الإختلالات التي تحدث عنها تقرير رسمي صادر في الموضوع وأثارت حينها نقاشا مجتمعيا واسعا حول شفافية هذه الصفقات خاصة وأن مبالغ مالية ضخمة قد خصصت لها وتم تمرير هذه الصفقات بإجراءات استثنائية خروجا عن القواعد والمساطر الواردة بمرسوم الصفقات العمومية ونتمنى أن تشكل هذه المناسبة فرصة لفتح هذا الملف قضائيا وترتيب الجزاءات القانونية المناسبة.

وأوضح أن هذه القضية تكشف أيضا كيف يتم استغلال مواقع المسؤولية العمومية للتلاعب بالمساطر وخرق القانون إضرارا بالمجتمع وحقوقه في التنمية والعدالة ومراكمة الثروة بطرق مشبوهة من طرف مسوؤلين وموظفين مؤتمنين على حقوق الناس، وأشار الغلوسي؛ إلى أن هذه الاختلالات تحدث في الوقت الذي يعاني فيه قطاع الصحة من أمراض مزمنة وتفتقر بعض المؤسسات الصحية والإستشفائية للإمكانيات الضرورية المادية والبشرية للقيام بأدوارها.

وأشار المتحدث ذاته إلى أن المجتمع يضطر إلى أداء تكلفة الفساد ونهب المال العام مقابل إرضاء جشع وهوس بعض المسؤولين. وهو ما يفرض قانونا على النيابة العامة المختصة فتح مسطرة الاشتباه في تبييض الأموال ضد المتورطين في هذه القضية وحينها سيكتشف الرأي العام حجم الثروات التي راكمها البعض بطرق منحرفة.

وطالب الغلوسي بأن يشكل قرار الوكيل العام لدى محكمة الإستئناف بفاس في قضية البرلماني ورئيس جماعة أولاد الطيب ومن معه فضلا عن قرار الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء مؤشرا إيجابيا للتصدي للفساد والرشوة ونهب المال العام وربط المسوؤلية بالمحاسبة وتجسيد دور السلطة القضائية في تخليق الحياة العامة.

وشدد الغلوسي على أنه «على السلطة القضائية أن تكون حازمة في التصدي لكل مظاهر الفساد والرشوة ونهب المال العام واستغلال مواقع المسؤولية للاغتناء غير المشروع والتضحية بحقوق المجتمع في التنمية، وذلك باتخاذ قرارات شجاعة وجريئة تقتضيها المرحلة الصعبة والدقيقة التي تجتازها بلادنا وسط انتظار وتطلعات المجتمع في تعزيز حكم القانون وربط المسؤولية بالمحاسبة».

وأكد أن «الجمعية المغربية لحماية المال العام، ستقوم انطلاقا من أدوارنا الحقوقية وأهداف الجمعية الهادفة إلى محاربة كل مظاهر الفساد والرشوة بمتابعة مسار ومجريات هذه القضية، وسنتخذ كل المواقف الضرورية إزاء هذا الملف الشائك كلما اقتضت الضرورة ذلك حرصا على سيادة القانون وتحقيق العدالة وربط المسؤولية بالمحاسبة، لكوننا نؤمن أن مكافحة الفساد والرشوة هي قضية مجتمعية تهم كافة الفاعلين والمؤسسات وضمنها قوى المجتمع المدني الحي والجاد»، حسب الغلوسي.

في المقابل، شدد على أن مؤسسات الحكامة في المغرب تفتقر إلى الإمكانيات التي تمكنها من المساهمة في تخليق الحياة العامة والانتصار لمبادئ الشفافية والمساواة.

وأعطى الغلوسي المثال بمؤسسة الوسيط التي تشتكي من عدم جواب الإدارات على مراسلاتها، وعدم إيلائها أي اهتمام في إطار دورها القانوني كوسيط بين الإدارة والمرتفق كآلية لتدليل الصعاب ورفع سوء الفهم بينهما، إلى جانب الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها التي تشتكي هي الأخرى من السلوك السلبي للسلطات وعدم تفاعلها مع مقترحاتها وتوصياتها.

واستغرب الغلوسي كيف أن مؤسستين دستوريتين لهما علاقة بمجال الحكامة والنزاهة لا تملكان أية سلطة اتجاه تغول الإدارة بحمولتها البيروقراطية، و لا يحميهما القانون من شططها وتعسفها لأنهما لا تملكان أية آلية لإجبار الإدارة على الخضوع للقانون.

وتساءل أنه إذا كان هذا حال مؤسسات دستورية، فكيف سيكون حال المواطن تجاه هذا الغول الذي يعاكس كل المبادرات والإرادات التي تسعى إلى شق ثقب في جدار الغموض والفساد الإداري والمرفقي، فيما أكد أن مؤسسات الحكامة جردت من الوسائل التي ستحقق أهدافها ومنها غياب أي جزاء تجاه تنطع الإدارة والمسؤولين، إنها تشبه ذلك الجندي الذي يقاتل في ساحة المعركة وهو مجرد من أي سلاح.

وشدد الغلوسي على أن هناك اليوم توجه قوي في البلد له امتدادات كبيرة في الإدارة والاقتصاد والإعلام، نجح في تحويل مؤسسات الحكامة إلى مؤسسات صورية وشكلية لاحول لها ولا قوة، توجه يهدف إلى إشاعة وإدامة الفساد والريع في الحياة العامة لضمان ديمومة استمراره كتوجه معاكس لكل الطموحات والنوايا الهادفة إلى تحقيق نقلة نوعية في الحياة السياسية، إنه منحى خطير يدفع البلد نحو أفق غامض ومجهول.

 

 

عبد الحفيظ أدمينو: أستاذ القانون العام بكلية الحقوق السويسي – الرباط

«التفاعل مع ملفات الفساد مؤشر مهم على التوجه نحو تخليق الممارسة الانتدابية»

 

 

 

1- هل يؤشر تفاعل الحكومة مع عدد من الملفات المتعلقة بفساد بعض المنتخبين على القطع مع سياسة الإفلات من العقاب؟

أولا، تجب الإشارة إلى أن هذا الربط التنظيمي الذي تم بين الانتخابات التشريعية والانتخابات الترابية (على المستوى الجماعي والإقليمي والجهوي)، زيادة على توجه التحالف الأغلبي نحو الاشتغال بتنسيق على مستوى كافة الهيئات المنتخبة، يشكلان مؤشرين مهمين على التوجه نحو تخليق الممارسة الانتدابية على المستوى الترابي، وكما نعلم، فالرقابة على الجماعات الترابية وعمل تلك الجماعات، الثابتة والمستقرة، هي تلك الرقابة التي تمارسها الإدارة المركزية على المستوى الترابي، بالإضافة إلى آليات أخرى تابعة لوزارة الداخلية، والمتمثلة أساسا في المفتشية العامة للإدارة الترابية، وأيضا دور المجالس الجهوية للحسابات، وهي التي تقوم بدور مهم على مستوى رقابة تدبير الجماعات الترابية، وإن كانت في نهاية المطاف رقابة لا تشمل كافة الجماعات الترابية، لأن المجالس الجهوية للحسابات غير قادرة على تغطية كل الجماعات الترابية، وأيضا الأمر نفسه بالنسبة إلى المفتشية العامة لإدارة الترابية، غير أنه يلزم البعد السياسي، والإرادة الحكومية، خاصة في حال ما إذا كانت هناك ملفات لمنتخبين، وأتصور أنها ستكون فرصة مهمة للحكومة من أجل إعطاء المثل على تخليق الممارسة الانتدابية، ما دام هناك هذا الربط وهذه القدرة، وهذه العلاقة بين تدبير الشأن العام المحلي والشأن العام الوطني.

 

2- ما هي الآثار الإيجابية لتحريك ملفات فساد المنتخبين أمام القضاء؟

هنا يمكن الحديث عن ثلاثة مستويات أساسية، أولها ما هو مرتبط بالمبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة، بمعني أن تحريك المتابعات ما هو إلا تفعيل لذلك المبدأ الدستوري المهم، وهو أن هذا الانتداب الذي حصل عليه المنتخبون في المجالس المحلية، لا بد أن يكون مرتبطا بمسؤولية، خاصة وكما نعلم، فالجماعات الترابية بأنواعها الثلاثة، مطالبة بإعداد برامج عمل تغطي الفترة الانتدابية برمتها، وهي عبارة عن التزامات، منها ما يرتبط بتنفيذ الوعود الانتخابية التي تم طرحها من قبل المكونات السياسية والمنتخبين على مستوى الجماعات الترابية، وهذا هو ما من شأنه أن يعطي مصداقية كبيرة للعمل السياسي، ويعزز أيضا تمثيلية المنتخبين.

أما المستوى الثاني، فيكمن في الدور البيداغوجي المهم، على اعتبار أن متابعة حالات، أو متابعة منتخبين، من شأنها أن تخلق نوعا من الإيمان بأهمية حسن التدبير وتحقيق الأهداف، لأنها عملية في نهاية المطاف تحمل الطابع السياسي التدبيري، ما دام يلزمنا استرجاع الثقة في العمل السياسي والعمل الحزبي، بما من شأنه تحقيق التكامل على مستوى الهيئات المنتخبة في المجال الترابي وعلى المستوى الوطني.

أما المستوى الثالث، فأشكال الرقابة هذه سيكون لها دور مهم في تطور عمل المجالس الترابية، سيما إذا علمنا أن الملاحظات التي يقدمها المجلس الأعلى للحسابات، أو المجالس الجهوية التابعة له، والتي ليس بالضرورة تضمنها لعقوبات تأديبية، تكون فرصة مهمة لتحسين التدبير العمومي على مستوى الجماعات الترابية، وخاصة في ظل افتقار هذه الجماعات للموارد البشرية الكفأة، والثقافة التدبيرية كالتي هي موجودة لدى الإدارة المركزية، فهي مناسبة وفرصة لتقويم عملية التدبير لتحصيل أفضل الممارسات على المستوى التدبيري، وإثارة الانتباه كذلك إلى الأخطاء التدبيرية التي بلا شك يكون لها تأثير على تنفيذ البرامج التنموية، وتمس في نهاية المطاف الناخبين الذين هم المنطلق والمنتهى بالنسبة إلى هذه الهيئات المنتخبة.

 

3- ما هو دور المواطنين وهيئات المجتمع المدني في الرقابة على عمل المجالس المنتخبة؟

بالنسبة إلى تحريك المتابعة في الملفات المتعلقة بالفساد في الجماعات الترابية، يجب الانطلاق أساسا من المنطلق الذي يحكم تحريك الدعوى العمومية، وهو المتعلق بشروط الأهلية والصفة والمصلحة، بمعنى أن أي جهة تريد تحريك الدعوى، فيجب لزوما أن تتوفر فيها هذه الشروط، وهو الأمر الذي يفسر أن الجهات  التي من شأنها تحريك الدعوى في هذه الملفات قليلة جدا. وتجب أيضا الإشارة إلى أنه على مستوى الرقابة التي يمارسها المجلس الأعلى للحسابات، في حال إذا ما ثبتت أن المخالفة تحمل الطبيعة الجنائية، فقد خول القانون للسلطة القضائية اختصاص تحريك المتابعة الجنائية في حق هؤلاء المنتخبين، وهذا مقتضى قانوني مهم. ويبقى من المهم أيضا مجهود المفتشية العامة لوزارة المالية، وأيضا الرقابة الشعبية، إذ إن نشر ملخصات التدبير مهم جدا وله دور أساسي في هذا الجانب، لأن أي منتخب لن يقبل بأن تكون أخطاؤه معروضة أمام الرأي العام، وسيكون حينها في مواجهة عقاب معنوي أمام الهيئة الناخبة. والمشرع قد منح المواطن عددا من الفرص الرقابية على المجالس المنتخبة، وهي الآليات المتعلقة بالديمقراطية التشاركية، زيادة على آليات التقييم التي منحها المشرع للمجتمع المدني، من خلال الاطلاع على طبيعة البرامج المعتمدة والاطلاع على التقارير السنوية للتقييم التي من المفروض أن تنجزها المجالس المنتخبة، انطلاقا من القوانين التنظيمية الثلاثة، وإن كان هذا العرض الذي منحه القانون غير مفعل بالشكل الكافي، بما من شأنه أن يجعل المواطن معادلة مهمة في تدبير الشأن الترابي.

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى