محمد اليوبي
قرر بنك المغرب، أول أمس الثلاثاء، الإبقاء على سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير في 1,5 في المائة، وذلك عقب اجتماعه الفصلي الثالث برسم سنة 2020، حيث تدارس المجلس تطورات الظرفية الاقتصادية والاجتماعية وكذا التوقعات الماكرو اقتصادية للبنك على المدى المتوسط، والتي تم تحيينها، مقارنة بتلك الصادرة في شهر يونيو، على ضوء المعطيات المتوفرة وبالنظر إلى تطور الوضعية الصحية والتدابير التي اتخذتها السلطات.
سيناريو الانكماش الاقتصادي
أوضح بلاغ صادر عن بنك المغرب عقب الاجتماع أنه «يتوقع السيناريو المركزي انكماش الاقتصاد سنة 2020 بشكل أكثر حدة مما كان متوقعا في يونيو، يليه انتعاش نسبي سنة 2021. إلا أن هذا السيناريو يبقى محاطا بشكوك كبيرة ارتباطا على الخصوص بتغير الوضعية الوبائية وآثارها على الصعيدين الوطني والدولي». وخلال هذا الاجتماع، سجل المجلس أن مؤشر الأسعار عند الاستهلاك، بعد استقراره في الفصل الثاني وانخفاضه الطفيف على أساس سنوي في شهر يوليوز، قد ارتفع بنسبة 0,9 في المائة في غشت على إثر تزايد أثمنة المواد الغذائية المتقلبة الأسعار، وأشار بنك المغرب إلى أن متوسط ارتفاع هذا المؤشر في الأشهر الثمانية الأولى من السنة بلغ 0,7 في المائة، مسجلا أنه في سياق يتسم بضعف الضغوط الناجمة عن الطلب، يرتقب أن تتغير نسبة التضخم في مستويات منخفضة لتصل إلى 0,4 في المائة في المتوسط سنة 2020 ثم تتسارع بشكل معتدل إلى 1 في المائة سنة 2021.
ومن جهة أخرى، فإن آخر المعطيات الخاصة بالحسابات الوطنية تهم الفصل الأول من سنة 2020، وبالتالي فإنها لا تعكس تأثير الجائحة على الاقتصاد إلا جزئيا، وتشير إلى تباطؤ قوي للنمو إلى 0,1 في المائة مقابل 2,8 في المائة المسجلة في نفس الفصل من السنة السابقة، وبالنسبة لمجموع سنة 2020، تم خفض التوقعات المنجزة في يونيو الماضي أخذا في الاعتبار الاستئناف البطيء للنشاط مقارنة بما كان متوقعا، وكذا القيود التي تم فرضها محليا أو قطاعيا بعد تزايد عدد الإصابات، إضافة إلى مواصلة الإغلاق شبه التام للحدود في وجه المسافرين.
ويرتقب أن يشهد الاقتصاد الوطني، حسب السيناريو الأساسي المعتمد من طرف بنك المغرب، انكماشا بنسبة 6,3 في المائة مع نسب تراجع قدرها 5,3 في المائة بالنسبة للقيمة المضافة الفلاحية و6,3 في المائة بالنسبة للقيمة المضافة غير الفلاحية، وفي سنة 2021، من المتوقع أن يرتفع الناتج الداخلي الإجمالي بنسبة 4,7 في المائة بفضل تزايد القيمة المضافة الفلاحية بواقع 12,6 في المائة، مع فرضية تحقيق محصول حبوب قدره 75 مليون قنطار، إلى جانب تحسن القيمة المضافة غير الفلاحية بنسبة 3,7 في المائة. وستستدعي هذه التوقعات، التي تبقى محاطة بمستوى قياسي من الشكوك المرتبطة بالأساس بتطور الجائحة وتداعياتها، وكذا وتيرة استئناف النشاط، تحيينها بشكل منتظم.
تفاقم عجز الميزانية
على مستوى المالية العمومية، فقد أفرز تنفيذ الميزانية بنهاية الأشهر الثمانية الأولى من السنة عجزا بواقع 46,5 مليار درهم، مقابل 35,2 مليارا سنة من قبل، وذلك أخذا في الاعتبار تحقيق رصيد إيجابي بقيمة 9 ملايير في الصندوق الخاص بتدبير جائحة كورونا، وعرفت الموارد العادية انخفاضا بنسبة 6,5 في المائة، على إثر تراجع المداخيل الضريبية بنسبة 8,4 في المائة، وفي المقابل، ارتفعت النفقات العامة بنسبة 2,5 في المائة، نتيجة بالأساس لتنامي النفقات برسم السلع والخدمات الأخرى بواقع 8,3 في المائة، بينما تقلصت نفقات الاستثمار بنسبة 4,7 في المائة ونفقات المقاصة بواقع 6,4 في المائة.
وأخذا في الاعتبار معطيات قانون المالية المعدل لسنة 2020 واستمرار تعبئة التمويلات الخاصة سنة 2021، يرتقب أن يتفاقم عجز الميزانية، دون احتساب الخوصصة، من 4,1 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي في سنة 2019 إلى 7,9 في المائة هذه السنة قبل أن يتحسن إلى 5,1 في المائة في سنة 2021، وإلى جانب الموارد الداخلية، يتم تمويل احتياجات الخزينة عبر تعبئة استثنائية للتمويلات الخارجية، وبذلك يرتقب أن يرتفع دين الخزينة من 65 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2019 إلى 76,1 في المائة في سنة 2020، ويستقر في 75,9 في المائة في سنة 2021.
ويتجلى من الأرقام أن أزمة فيروس كورونا المستجد تسببت في ارتفاع النفقات مقابل انخفاض في المداخيل، بسبب تضرر الاقتصاد نتيجة الحَجر الصحي الذي فرض طيلة أشهر للحد من انتشار الوباء، وأمام هذا الوضع، اضطرت الحكومة إلى رفع وتيرة الاقتراض الخارجي، إذ بدأت منذ مارس بحشد التمويلات من لدن البنك الدولي والنقد الدولي ومؤسسات إقليمية عربية لدعم برامج الاستجابة للوباء وتحسين وضعية ميزان الأداءات، وبالتالي سيواصل بنك المغرب تنفيذ برنامج شراء الأصول الخاصة بالطوارئ لمواجهة الجائحة، وحسب المتخصصين، فإن «الأسواق كانت تأمل في الحصول على مبلغ أكبر بسبب استنفاد الموارد المحلية وعدم قدرة المؤسسات المحلية وحدها على دعم الخزينة في المجهود التمويلي للدولة، بالإضافة إلى أن السوق المحلي بحاجة إلى مدخرات، وحسب تقديرات المتخصصين، فإن حاجة الخزينة للتمويلات تقدر بـ 46 مليار درهم بالنظر إلى النفقات الكبيرة المرتبطة على وجه الخصوص بمواجهة تداعيات الأزمة الصحية.
وأوضح عمر العسري، أستاذ المالية العمومية بكلية الحقوق السويسي بالرباط، أن المغرب يعيش أزمة اقتصادية على غرار ما يجري في كل دول العالم، مشيرا إلى أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة أثرت على الوضعية الاقتصادية سواء على موارد الدولة من خلال تراجع المداخيل الضريبية، ولذلك اضطر المغرب إلى الاستدانة الخارجية وتجاوز السقف المسموح به في قانون المالية، ومنح الإذن للحكومة للاقتراض بدون اللجوء إلى البرلمان. وأكد العسري أن اللجوء إلى التمويلات الخارجية يفرضه الوضع الاقتصادي في ظل غياب البديل حاليا، ولذلك شدد المتحدث ذاته على ضرورة التفكير في حلول بديلة، من قبيل إصدار صكوك لفائدة مغاربة الخارج من أجل تمويل مشاريع تنموية، والتفكير في دعم القطاعات الواعدة لتعويض القطاعات المتضررة من الجائحة، لكي تساهم في رفع القيمة المضافة الداخلية، والقيام بحملة وطنية لتشجيع المنتوجات الوطنية، وتشجيع الفلاحة، لأن الفلاحة لعبت دورا كبيرا في ظل الأزمة الصحية، لأنها توفر قاعدة كبيرة للإنتاج والاستهلاك والتصدير.