الحكومة تغلق منافذ التهرب الضريبي
226 ألف شركة «نائمة» تبيع الفواتير الوهمية والامتيازات الضريبية تكبد خزينة الدولة 3800 مليار
شرعت الحكومة في إغلاق منافذ التهرب الضريبي، من خلال التنصيص على مجموعة من المقتضيات الجديدة في مشروع قانون المالية لسنة 2023، تتجلى في فرض الضريبة على مجموعة من القطاعات التي كانت خارج حسابات المديرية العامة للضرائب، والتنصيص على مقتضيات ضريبية تشمل أصحاب المهن الحرة، ما دفع بالعديد من الفئات إلى الخروج للاحتجاج على هذه المقتضيات، كما يتضمن المشروع مستجدات تخص إلغاء الامتيازات الضريبية التي كانت تستفيد منها الشركات الموجودة بالمناطق الحرة للتصدير التي تحول اسمها إلى مناطق التسريع الصناعي، وحسب تقرير النفقات الجبائية المرفق لمشروع قانون المالية، فإن الامتيازات والإعفاءات الضريبة كبدت خزينة الدولة أزيد من 38 مليار درهم في سنة 2022.
إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي
الامتيازات الضريبية تكبد خزينة الدولة 38 مليار درهم
تعتبر النفقات الضريبية إحدى الآليات التي توظفها الدولة، من أجل تخفيف العبء الضريبي على بعض الفئات من الملزمين أو الأنشطة الاقتصادية، مما يتيح للدولة إمكانية تحقيق أهدافها الاستراتيجية في جميع الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها، وللإشارة فإن النفقات الضريبية تأخذ أشكالا تتنوع بين تخفيض معدلات الضرائب، والإعفاء التام.
وبالنظر إلى ما تحدثه الاستثناءات الضریبیة من نقص مھم في المیزانیة العامة للدولة، فإن انعكاساتھا على ھذه الأخیرة تكون مشابھة للآثار التي تخلفھا النفقات العمومیة على ھذه المیزانیة، لذا سمیت بالنفقات الجبائیة، وتنحصر النفقات الجبائیة المعمول بھا في التدابیر الضریبیة، التي تخرج عن نطاق النظام الضریبي المرجعي الذي یشمل مختلف الأنظمة الأساسیة للضرائب المعروفة باسم «النظام العام».
ونتيجة لما يترتب عنها من خصاص بالنسبة إلى ميزانية الدولة، قررت الحكومة تقييم مدى نجاعتها حتى يتسنى اتخاذ القرار الصائب من أجل الإبقاء عليها أو إلغائها. كما يعد تحديد النظام الضريبي المرجعي أمرا مهما، نظرا إلى كونه يتحكم في أهمية الفارق الناتج عن الاستثناء مقارنة بالنظام الذي تم اعتباره كمعيار. لذلك، يعد من الضروري اعتبار معايير ومبادئ أساسية واضحة ومضبوطة بما فيه الكفاية، لكي يتم اعتمادها كمرجع، وعلى هذا الأساس أجريت مراجعة أولية للنظام الضريبي المرجعي، من أجل إعداد التقرير حول النفقات الضريبية الذي رافق مشروع قانون المالية لسنة 2019.
وتم إعداد تقرير حول النفقات الجبائية مرفق لمشروع قانون المالية لسنة 2023، في ظل ظرفية تتميز بتفاقم الضغوطات التضخمية، سواء على الصعيدين الوطني أو الدولي، وبالتالي بلغت النفقات الجبائية خلال سنة 2022، ما مجموعه 38667 مليون درهم، مسجلة ارتفاعا بنسبة 20.8 في المائة، وأرجع التقرير ذلك أساسا إلى زيادة النفقات الجبائية الخاصة بالضريبة على القيمة المضافة بمبلغ 5318 مليون درهم (زائد 34,2 في المائة)، نتيجة التدبير المتعلق بخضوع عمليات بيع النفط أو الزيوت الصخرية للسعر المخفض البالغ 10 في المائة.
وتم تسجيل ارتفاع النفقات الجبائية المتعلقة بالرسوم الجمركية بمبلغ 1636 مليون درهم (زائد 137,2 في المائة)، نتيجة للتدبير المرتبط بإعفاء سلع التجهيز والمعدات والآلات من رسوم الاستيراد. كما سجل التقرير زيادة النفقات الجبائية الخاصة بالضريبة على الشركات، ناتجة عن تسارع وتيرة النمو، بعد الخروج من أزمة جائحة فيروس كورونا بمبلغ 1228 مليون درهم (زائد 30,1 في المائة)، ويرجع ذلك على وجه الخصوص إلى التدبير المتعلق بفرض الضريبة على الشركات بالسعر المخفض 20 في المائة بالنسبة إلى المنشآت المصدرة للمنتجات أو الخدمات، بالإضافة إلى ذلك، سجلت النفقات الجبائية المرتبطة بواجبات التسجيل والتنبر تراجعا قدره 2040 مليون درهم، وذلك على إثر حذف التدابير الانتقالية المتعلقة بالنشاطات العقارية، كما بقيت حصة النفقات الجبائية بالنسبة إلى الناتج الداخلي الإجمالي مستقرة نسبيا خلال الفترة 2017-2021، حيث بلغت 2,5 في المائة سنة 2017 و2,8 في المائة سنة 2022.
وكشف التقرير أن هناك العديد من القطاعات تستفيد من امتيازات ضريبية، تكون على شكل إعفاءات كلية، أو تخفيضات ضريبية، حيث بلغت قيمتها أكثر من 38 مليار درهم في سنة 2022، واستحوذ قطاع إنتاج وتوزيع الكهرباء والغاز على نصيب الأسد من حصة الإعفاءات الضريبية بنسبة 23,8 في المائة، متبوعا بقطاع الأمن والاحتياط الاجتماعي بنسبة 15,5 في المائة، ثم قطاع العقار بنسبة 12,6 في المائة.
وكشف التقرير أن عدد التدابير التي تم إحصاؤها قد انتقل من 306 تدابير في سنة 2021 إلى 311 تدبيرا سنة 2022، منها 264 تدبيرا كانت موضوع تقييم لسنة 2022، وتشكل حصة التدابير التي تم تقييمها 85 في المائة في مجموع التدابير التي تم إحصاؤها سنة 2022، ويتضمن التقرير جردا لما مجموعه 311 تدبيرا من التدابير الاستثنائية المؤهلة كنفقات جبائية لسنة 2022، حيث تتمثل هذه التدابير في إعفاءات كلية أو جزئية أو مؤقتة، وتخفيضات وإسقاطات وخصوم وضرائب جزافية وتسهيلات مالية. وأكد التقرير أن إجمالي النفقات الجبائية ارتفع بنسبة 20,8 في المائة خلال سنة 2022، ویعزى ذلك أساسا إلی النفقات الجبائية المتعلقة بالضريبة على القيمة المضافة والرسوم الجمركية والضريبة على الشركات، حيث سجلت على التوالي زيادة قدرها 5318 مليون درهم، و1636 مليون درهم و1228 مليون درهم، بالإضافة إلی ذلك، تراجعت النفقات الجبائية المتعلقة بواجبات التسجيل والتنبر بمبلغ 2040 مليون درهم.
وبالنسبة إلى سنة 2022، يكشف تحليل بنية النفقات الجبائية عن رجحان النفقات الجبائية المتعلقة بنوع الإعفاءات الكلية، التي ﺗﻤثل نسبة 52 في المائة من الإعفاءات الإجمالية سنة 2022. في حين تأﺗﻲ في المركز الثاني النفقات الجبائية المتعلقة بالتخفيضات بنسبة 42,3 في المائة من الإعفاءات الإجمالية سنة 2022.
الحكومة والبرلمان يتحركان لتجفيف منابع التهرب الضريبي
يحظى الشق المتعلق بالضرائب على الشركات في مشروع قانون مالية 2023 بأهمية خاصة لدى الحكومة والبرلمان. فقد قدمت فرق الأغلبية بمجلس النواب تعديلات على المشروع المالي يهم الضريبة على الشركات، وذلك خلال عملية التصويت على الجزء الأول من مشروع قانون المالية برسم سنة 2023. وصوتت لصالح المشروع فرق الأغلبية والفريق الحركي وفريق التقدم والاشتراكية ومجموعة العدالة والتنمية، فيما عارضه الفريق الاشتراكي، في وقت نص مشروع قانون المالية على فرض ضريبة في حدود 35 في المائة على الشركات التي يساوي ربحها الصافي أو يفوق 100 مليون درهم، و20 في المائة على الشركات التي يقل ربحها الصافي عن 100 مليون درهم، واقترحت فرق الأغلبية إضافة مقتضى جديد ترى أنه يحول دون لجوء الشركات الكبرى إلى التهرب الضريبي.
ويهدف هذا التعديل، حسب الفرق ذاتها، إلى تفادي التهرب الضريبي من طرف الشركات الكبرى للاستفادة من نسبة 20 في المائة عوض 35 في المائة؛ وذلك من خلال التنصيص على أنه عندما يقل الربح الصافي المحقق من طرف هذه الشركات عن مائة مليون درهم لا يطبق عليها سعر 20 في المائة، إلا إذا ظل الربح الصافي المذكور يقل عن هذا المبلغ لمدة ثلاث سنوات محاسبية متتالية.
في السياق ذاته يقترح مشروع قانون المالية رفع الضريبة على مؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، وبنك المغرب وصندوق الإيداع والتدبير ومقاولات التأمين وإعادة التأمين، إلى 40 في المائة.
من جهة أخرى وافقت الحكومة على تعديل تقدمت به فرق الأغلبية، ويهم المادتين الثالثة والخامسة من مشروع قانون المالية لسنة 2023، بهدف توسيع الوعاء الضريبي ليشمل منتج «الشيشة» أو «الأرجيلة» بدون تبغ، على غرار السجائر الإلكترونية. واعتبرت فرق الأغلبية أن هذا الإجراء يهدف إلى الحفاظ على صحة المستهلكين، لاسيما فئة المراهقين، والحماية من الآثار السلبية لاستهلاك هذا المنتج والإدمان عليه.
وأشارت الفرق ذاتها إلى أن واردات منتج «الشيشة» أو «الأرجيلة» الخالي من التبغ لا تخضع للضريبة الداخلية على الاستهلاك، رغم أن كلا النوعين من المعسل لهما الاستخدام نفسه، وكذلك التأثيرات الصحية نفسها. ولفتت فرق الأغلبية إلى أن منظمة الصحة العالمية تعتبر منتجات التدخين الأخرى المحتوية على خليط من الفواكه والأعشاب بدون تبغ، المستعملة في «الشيشة» أو «الأرجيلة»، تشكل خطرا مماثلا لمنتجات التبغ، وتوصي بسن القيود والضرائب نفسها المماثلة لمنتجات التبغ.
وتصنف المفوضية الأوروبية هذه الفئة من المنتجات (خليط الأعشاب أو الأعشاب العطرية أو الفواكه) منتجات للتدخين، على غرار باقي منتجات التدخين المحتوية على التبغ. وفي هذا الإطار تقترح فرق الأغلبية تطبيق ضريبة داخلية على الاستهلاك بمقدار 675 درهما للكيلوغرام. كما وافقت الحكومة على الرفع في الرسم عند الاستيراد المطبق على السجائر الإلكترونية من 2.5 إلى 40 في المائة، على خلفية تعديل تقدمت به فرق الأغلبية. وأشارت الفرق البرلمانية ذاتها إلى أن استهلاك السجائر الإلكترونية في المغرب عرف ارتفاعا ملحوظا في السنوات الأخيرة.
وكان الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، أكد أن هناك رجال أعمال منهم من يمتلكون شركات كبرى أو «هولدينغ» يتوفرون على 8 أو 10 شركات نشيطة، بينما يتوفرون كذلك على 30 شركة نائمة لأنهم لم يعودوا في حاجة إليها، ولكونهم يستفيدون من التهرب الضريبي. وأضاف لقجع، خلال عرض قدمه بلجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية بمجلس المستشارين، بمناسبة مناقشة مواد مشروع قانون المالية لسنة 2023، أن إجمالي الشركات غير النشيطة المعروفة بـ«النائمة» بالمغرب يصل إلى 225 ألفا و906 شركات، حيث يلجأ أصحابها إلى تركها على هذا الوضع من أجل التهرب الضريبي.
وأوضح الوزير المكلف بالميزانية أن «من يرغب في ترك شركته نائمة له ذلك، ومن أراد الاستفادة من التخفيض الضريبي الذي جاء به قانون المالية يمكنه دفع ثمن رمزي في حدود 10 آلاف درهم عن كل سنة، ولن يخضع للمراقبة ولا المحاسبة»، وشدد لقجع على أن «معظم هذه الشركات «النائمة» مختصة في بيع وشراء الفواتير».
فرض ضرائب على المقاولات المالية المستقرة بمناطق التسريع الصناعي
تزامنا مع القرار الذي اتخذته الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بسحب المغرب، بصفة نهائية من القائمة الرمادية لـ«الملاذات الضريبية»، وإدراجه ضمن القائمة الخضراء، صدر بالجريدة الرسمية تنفيذ قانون جديد يتعلق بإلغاء تسمية «المناطق الحرة للتصدير» من المنظومة القانونية المغربية وتعويضها باسم «مناطق التسريع الصناعي»، وذلك تنفيذا للالتزامات الدولية.
وتواصل الحكومة اتخاذ مجموعة من الإجراءات لملاءمة النظام الضريبي مع المعايير الدولية، حيث قررت إلغاء الامتيازات التي كانت تستفيد منها مناطق التسريع الصناعي، حتى لا تتحول هذه المناطق إلى «ملاذات ضريبية».
وأفادت مذكرة تقديم مشروع قانون المالية لسنة 2023، بأن المشروع اقترح استثناء المقاولات المالية من الاستفادة من الامتيازات الضريبية لمناطق التسريع الصناعي، وأشارت المذكرة إلى أنه «تستفيد حاليا بعض مقاولات الخدمات المقامة بمناطق التسريع الصناعي من الامتيازات الجبائية المخولة لهذه المناطق، في حين تخضع المقاولات المماثلة التي تقدم الخدمات نفسها لهذه المناطق للضريبة، وفق قواعد النظام العام. ومن أجل تحقيق العدالة الجبائية بين مختلف المقاولات المذكورة آنفا يقترح استثناء المقاولات المالية من الامتيازات المنصوص عليها لفائدة مناطق التسريع الصناعي، للملاءمة مع ما نص عليه قانون المالية لسنة 2021 بالنسبة إلى المقاولات المالية المكتسبة لصفة القطب المالي للدار البيضاء».
وأوضح المصدر ذاته أن الأمر يتعلق بمؤسسات الائتمان، ومقاولات التأمين وإعادة التأمين ووسطاء التأمين المكتسبين لهذه الصفة، طبقا للتشريع الجاري به العمل.
من جهة أخرى، ذكرت المذكرة بأن هيئات التوظيف الجماعي العقاري تستفيد حاليا من نظام جبائي دائم يخول لها الإعفاء الكلي من الضريبة على الشركات، وفرض الضريبة على الربائح الموزعة بين أيدي المستثمرين المساهمين، بعد تطبيق تخفيض نسبته 60 في المائة.
كما تم التنصيص على نظام تحفيزي مؤقت يخص عمليات المساهمة بعقارات في الهيئات المذكورة، المنجزة خلال الفترة الممتدة من فاتح يناير 2018 إلى غاية 31 دجنبر 2022، من أجل مواكبة هذه الهيئات خلال المرحلة الأولى من انطلاقها.
ويمكن هذا النظام التحفيزي المؤقت من الحق في الاستفادة من تأجيل أداء الضريبة على الشركات، أو الضريبة على الدخل على صافي زائد القيمة أو الربح العقاري الناتج عن المساهمة المذكورة، مع تطبيق تخفيض نسبته 50 في المائة، وذلك على إثر التفويت الجزئي أو الكلي للسندات المحصل عليها مقابل هذه المساهمة.
ومن أجل ضمان مواصلة دعم الدولة لهذا النوع الجديد من أدوات التمويل، يقترح تطبيق النظام التحفيزي المذكور أنفا المتعلق بتأجيل أداء الضريبة على الشركات، والضريبة على الدخل على صافي زائد القيمة أو الربح العقاري المحقق، مع حذف تخصيص 50 في المائة المذكور آنفا بشكل دائم.
من جهة أخرى، يقترح مشروع قانون المالية لسنة 2023 ترشيد النظام الجبائي التحفيزي الدائم الحالي، من خلال حذف تخفيض 60 في المائة المطبق على العوائد المترتبة عن الأرباح الموزعة من طرف هيئات التوظيف الجماعي العقاري.
وتضمنت قوانين المالية في السنوات الأخيرة، إجراءات لتوحيد أسعار النظام الجبائي التفضيلي المطبق على المناطق الحرة للتصدير التي أصبحت تسميتها «مناطق التسريع الصناعي»، وتهدف التدابير المقترحة إلى اعتماد مقاربة جديدة في ما يخص ملاءمة النظام التحفيزي المنصوص عليه في المنظومة التشريعية الجبائية المغربية مع المعايير المتعارف عليها دوليا، التي تجيز اعتماد سعر مخفض، شريطة ألا يقتصر تطبيقه على رقم الأعمال الموجه إلى التصدير، والإبقاء على الإعفاء المتعلق بالخمس سنوات الأولى، وكذا إعفاء الأرباح وغيرها من عوائد الأسهم.
وكان المغرب من بين الدول التي انخرطت في ملاءمة أنظمتها الضريبية مع معايير الحكامة الجيدة، وذلك في إطار تعزيز الشفافية الضريبية على الصعيد العالمي، وفي هذا الصدد، فقد تمت المصادقة على عدد من النصوص التشريعية، أخذا بالاعتبار طبيعة كل نظام ضريبي، وذلك في إطار مسلسل من الإصلاحات التي تم إطلاقها منذ قانون المالية لسنة 2018، وعلى مدار عملية تقييم نظامه الضريبي، حيث سارعت الحكومة السابقة إلى حذف كل الامتيازات الضريبية التي كانت تستفيد منها الشركات المستقرة بالمناطق الصناعية الحرة، وفرض ضرائب على هذه الشركات، وكذلك إلغاء العمل بنظام «المناطق الحرة» وتغيير اسمها إلى «مناطق التسريع الصناعي»، وتم تغيير الاسم لإزالة الغموض عن هذه المناطق، حتى لا تتحول إلى «جنات ضريبية» للشركات العالمية.
هذا، وقررت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي سحب المغرب، بصفة نهائية من القائمة الرمادية لـ«الملاذات الضريبية»، وإدراجه ضمن القائمة الخضراء، وذلك بعدما أضحى يلتزم بجميع المعايير الضريبية الدولية، وانخراطه في تدابير تروم ضمان امتثال منظومته الجبائية للمبادئ العالمية للشفافية والضرائب العادلة، كما هو منصوص عليه ضمن المعايير الواردة في قائمة الاتحاد الأوروبي.
ولم يعد المغرب مدرجا في القائمة الرمادية للاتحاد الأوروبي حول الدول والمناطق غير المتعاونة في المجال الضريبي، بعدما اعتمد مجلس الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، الذي يضم 27 وزيرا أوروبيا للشؤون الخارجية، خلاصاته حول الدول والمناطق غير المتعاونة في المجال الضريبي، وشطب المغرب من الملحق الثاني لقائمة الدول التي تنتظر الخضوع لتقييم الاتحاد الأوروبي مدى التزامها بالمعايير الأوروبية في المجال الضريبي.
لائحة سوداء لشركات «نائمة» توظف فواتير وهمية للتهرب الضريبي
تمكنت مصالح المديرية العامة للضرائب، التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية، من ضبط تلاعبات خطيرة في التصريحات الضريبية، تتجلى في استعمال فواتير مزورة تعود إلى شركات وهمية، بهدف التملص من أداء المبالغ الضريبية المستحقة، ومن بينها شركات يملكها رجال أعمال. وكلفت إدارة الضرائب الوكالة القضائية للمملكة بوضع شكايات أمام النيابة العامة في حق مجموعة من الشركات أدلت بتصريحات ضريبية مغلوطة عبر فواتير ووثائق مزورة.
ووضعت المديرية العامة للضرائب لائحة سوداء لشركات متخصصة في بيع الفواتير، وأكدت المصادر وجود شبكات تعمل على تأسيس شركات متخصصة في بيع الفواتير الصورية، التي تستعمل في التهرب الضريبي من طرف شركات أخرى، ومن المنتظر إحالة بعض الملفات على النيابة العامة لتحريك المتابعات القضائية في حق المتلاعبين بالفواتير.
وكـشـف الـوزيـر الـمـنـتـدب الـمـكـلـف بـالـمـيـزانـيـة، فوزي لقجع، أثناء مناقشة مشروع قانون المالية بلجنة المالية والتخطيط بمجلس المستشارين، أن إجـمـالـي الشركات غير النشيطة المعروفة بـ«النائمة» بـالـمـغرب يصل إلى 225 ألفا و906 شركات، حيث يلجأ أصحابها إلى تركها على هذا الوضع من أجل التهرب الضريبي. وكشف الوزير أن هناك من رجال الأعمال من يمتلك شركات كبرى أو «هولدينغ» يتوفر على 8 أو 10 شركات نشيطة، فيما يتوفرون كذلك على 30 شركة نائمة لأنهم لم يعودوا في حاجة إليها، ولكونهم يستفيدون من التهرب الضريبي.
وأضاف الـوزيـر المنتدب أنه من يرغب فـي تـرك شركته نائمة فـلـه ذلـك، ومـن أراد الاستفادة من الـتـخـفـيـض الـضـريـبـي الـذي جاء بـه قـانـون المالية فيمكنه دفع ثمن رمزي في حدود 10 آلاف درهم عن كل سنة، ولن يخضع للمراقبة ولا المحاسبة. وشدد لقجع على أن معظم هذه الشركات «النائمة» مختصة في بيع وشراء الفواتير الوهمية.
وطالب برلمانيون بالتشطيب على الشركات غير النشيطة، وتفعيل الإجراءات الزجرية المنصوص عليها في مشروع قانون المالية لمحاربة الغش الضريبي باستعمال الفواتير المزورة. وحسب مقتضيات مدونة الضرائب، يجب أن تكون عمليات شراء السلع والخدمات التي يقوم بها الخاضع للضريبة لدى بائع خاضع للرسم المهني منجزة فعليا ومثبتة بفاتورة قانونية لها قوة الإثبات تحرر في اسم المعني بالأمر، وعندما تعاين الإدارة أنه تم تحرير فاتورة من قبل أو باسم مورد مخل بالتزاماته المتعلقة بالإقرار وأداء الضرائب المنصوص عليها في مدونة الضرائب، وعدم وجود نشاط فعلي، فإن الخصم المطابق لهذه الفاتورة لا يتم قبوله، كما وضعت إدارة الضرائب رهن إشارة الخاضعين للضريبة على موقعها الإلكتروني قائمة لأرقام التعريف الضريبي للموردين المخلين، تعدها وتحينها بصورة منتظمة.
ويدخل هذا التدبير في إطار استراتيجية الحكومة لمحاربة الغش الضريبي والممارسات الهادفة إلى التملص من الضريبة أو الحصول على امتيازات ضريبية بدون موجب حق، وهذا التدبير معمول به في غالبية دول العالم، أما في ما يتعلق بكيفية تطبيق هذه الجزاءات، فإنه عندما تعاين الإدارة تحرير فاتورة صورية من قِبَل شخص مُخِل بالتزاماته الضريبية دون وجود نشاط فعلي، فإن الخصم المطابق لهذه الفاتورة لا يتم قبوله، كما تضع إدارة الضرائب رهن إشارة الخاضعين للضريبة على موقعها الإلكتروني قائمة لأرقام التعريف الضريبي للموردين المخلين السالف ذكرهم تُعِدها وتحينها بصورة منتظمة بعد إصدار حكم قضائي اكتسب قوة الشيء المقضي به تبعا للمسطرة المتعلقة بتطبيق الجزاءات الجنائية على المخالفات الضريبية المنصوص عليها في المادة 231 من المدونة العامة للضرائب.
وتم تدقيق الحالات التي تستوجب تطبيق الجزاءات الجنائية والتنصيص على استثناء الشكايات المتعلقة بإصدار الفاتورات الصورية من الإحالة على لجنة المخالفات الضريبية، مع إعطاء الصلاحية للوزير المكلف بالمالية لإحالة هذه الشكايات مباشرة إلى وكيل الملك، وكشفت المصادر، أنه رغم إقرار هذه التعديلات، مازالت هناك عدة ممارسات مخلة بالقانون، من قبيل إقدام بعض الأشخاص على تأسيس شركة أو شركات متخصصة في إصدار الفواتير الصورية، ولا يتم معاقبتهم، ويطالب رجال أعمال بضرورة تفعيل القانون من أجل تحقيق العدالة الضريبية، وتحقيق فعالية الإدارة الضريبية في استخلاص الموارد.
وأكد تقرير صادر عن المجلس الأعلى للحسابات وجود شركات وهمية لا تُمارس أي نشاط فعلي، فيما يتخصص أصحابها في بيع الفواتير الوهمية التي تستعمل في التملص الضريبي، وأكد التقرير أن معظم المديريات الإقليمية للضرائب لا تقوم بوضع خطة فعالة لحل إشكالية الشركات غير النشيطة (المشطب عليها وغير المشطب عليها، والتي لم تعد تزاول نشاطا مهنيا لعدة سنوات)، وأفاد التقرير أنه في حال اختيار المديرية عدم تطبيق التضريب، فإن ذلك يتم دون التأكد من عدم استمرارية وجود هذه الشركات من خلال التحريات الميدانية، أو لدى الجهات المختصة بما في ذلك المحاكم التجارية للاستفسار عما إذا كانت الشركات المعنية قد شطب عليها من السجلات التجارية أو هي قيد التصفية القضائية، وفي غياب هذه التحريات لا يمكن اعتبار الشركات غير النشيطة غير موجودة لأنها لا تزال تتمتع بوجود قانوني، ويمكنها بعد ذلك أن تشرع في تقديم إقراراتها بعد استفادتها لفترة طويلة من عدم التضريب، ومن جهة أخرى، فاستمرار التضريب التلقائي لهذه الشركات من شأنه أن يضخم من الباقي استخلاصه مع ضآلة أو انعدام فرص تحصيل هذه الفئة من الديون.
ثلاثة أسئلة
إدريس الفينا*
«الحكومة مطالبة بالتوفيق بين توسيع مواردها المالية وتجنب الضغط الضريبي»
هل اشتغلت الحكومة على محاصرة التهرب الضريبي من خلال مشروع قانون مالية 2023؟
تجب الإشارة إلى أن مدونة الضرائب المغربية جد متقدمة بخصوص الإجراءات والآليات التي تعتمدها، والإشكال في المغرب لا يرتبط بالتهرب الضريبي، على اعتبار أن هناك معيارا عالميا هو الضغط الضريبي، وهو الذي يبلغ ما بين 25 و26 في المائة في المغرب، ويتحدد في الموارد الضريبية نسبة إلى الناتج الداخلي الخام، وبالتالي فإن المستوى المسجل في المغرب من الضغط الضريبي جد عال، وهذا المستوى بدأ يؤثر على تنافسية المقاولة المغربية، خصوصا في قوتها التصديرية وبيع منتجاتها بشكل تنافسي، ويؤثر، كذلك، على جاذبية الاقتصاد المغربي.
انطلاقا مما ذكرت، ولهذه الأسباب، فإن المنطق المطلوب، والذي يجب التركيز عليه، هو الوقوف على الإشكاليات التي أعتبر أنها أعقد من التهرب الضريبي، شأن ما ذكرته بخصوص الضغط الضريبي، زيادة على عدد من الإشكالات الاقتصادية، وهي التي تحول دون خلق الثروة في المغرب، وهي إشكالات مرتبطة أيضا بالجانب التشريعي وبطبيعة الاقتصاد الوطني.
كيف تعمل الحكومة على خلق التوازن بين توسيع الوعاء الضريبي وعدم التأثير على المقاولة المغربية؟
إن المغرب اليوم في مستوى من توسيع الوعاء الضريبي كبير جدا، ويمكن القول إننا وصلنا مرحلة العمق في توسيع هذا الوعاء الضريبي، ولا يمكن الاستمرار في المنحى نفسه، ونحن اليوم بصدد المرور من الضغط الضريبي إلى التأثير على تنافسية المقاولة، بل إن الأمر وصل حد إنهاء حياة بعض المقاولات، واليوم وصل الضغط الضريبي بعدد من المقاولات إلى مستويات عالية جدا وغير مقدور عليها. وإن كانت الحكومة مطالبة بالبحث عن موارد مالية إضافية من أجل تغطية النفقات العمومية، فإن المزيد من الضغط الضريبي من شأنه أن يؤثر بشكل عكسي على الاقتصاد الوطني وجاذبية الاقتصاد الوطني للاستثمارات. ولا يجب أن ننسى أن البحث عن الموارد الضريبية الجديدة سيؤثر على التراكمات الاقتصادية التي راكمها المغرب، خصوصا باعتباره وجهة استثمارية متميزة على الصعيد القاري.
إن الحكومة، بدل البحث عن الموارد المالية من خلال توسيع الوعاء الضريبي وتعزيز الضغط الضريبي على الاقتصاد الوطني، مطالبة بالبحث عن حلول مبتكرة والاستفادة من التجارب الدولية في هذا الباب، حيث إن هناك دولا مماثلة اقتصاديا أو سبقتنا بأشواط قليلة، تستطيع اليوم التوفيق بين تعزيز الموارد المالية العمومية وتجنب ضغط ضريبي. واليوم بات لزاما، كما أكد على ذلك جلالة الملك في الخطب الأخيرة، وأوصى بذلك تقرير النموذج التنموي الجديد، فإنه يجب التركيز على القطاع الخاص وضرورة إشراكه في المجهود التنموي، بمعنى أنه يجب على القطاع الخاص أن يقف إلى جانب الدولة في المجهود الذي تبذله والذي يدفعها إلى الرفع من المداخيل الضريبية، حيث لا يمكن للدولة الاستمرار في هذا المسار منفردة على المدى البعيد، بل يجب البحث في مسارات أخرى وتنزيل توصيات النموذج التنموي في هذا الجانب.
كيف سيؤثر تضريب القطاع الحر على الاقتصاد الوطني؟
فعلا القطاع الحر يمثل طبقة متوسطة قوية، وهي الطبقة التي تحمل نفسها بنفسها، حيث تؤدي تعليم أبنائها، وتطبيبها وعدد من النفقات، بل إن الطبقة الوسطى هي التي تؤهل الرأسمال البشري من جديد، وبالتالي فالحديث عن تهرب هذه الفئة من أداء الضريبة (التهرب الضريبي)، غير سليم، على اعتبار أنه في المغرب لا يوجد أحد يتهرب من أداء الضريبة، خصوصا على المستوى المرتبط بالضريبة على القيمة المضافة. فلا أحد اليوم يشتري سلعة ولا يؤدي الضريبة عنها سواء عند الاستيراد أو عند التوزيع بالتقسيط. الكل يؤدي هذا النوع من الضرائب غير المباشرة، بمن في ذلك هذه الفئة من الطبقة المتوسطة، وبالتالي وجب الخروج من بوتقة استعمال مصطلحات من قبيل التهرب الضريبي، لأنه، كما أشرت، لا يمكن القول إن فئة ما تتهرب من أداء الضريبة، وهذا منطق غير سليم وغير صحيح لأن هذه المصطلحات تستعمل من قبل التقنيين وليس المختصين، ولا يمكن الجزم بأن هناك تهربا ضريبيا، خصوصا في الضرائب غير المباشرة، وإن كان فعلا هناك أنواع من الضريبة المباشرة التي قد يتهرب البعض من أدائها، ولكن هذا لا يدفعنا للقول إن هناك تهربا ضريبيا.
*أستاذ الاقتصاد بالمعهد العالي للإحصاء والاقتصاد التطبيقي