الحساب صابون
توالت جلسات العمل التي أصبح يعقدها الملك محمد السادس مع رئيس وأعضاء الحكومة، بشأن قضايا استراتيجية أو سياسات ذات رهان مجتمعي. وتحولت تلك الجلسات الوزارية المصغرة إلى فرصة يعبر فيها الجالس على العرش عن عدم رضاه بسبب تعثر المشاريع والسياسات التي تم الالتزام بها أمام أعلى سلطة في البلد. وأضحت تلك الجلسات فضاء للمساءلة وتوجيه النقد الصريح والمباشر من الملك إلى أعضاء الحكومة ورئيسها سعد الدين العثماني. ويكفي الاستئناس ببلاغات الديوان الملكي التي صدرت عقب الاجتماعات، والتي تحمل عبارات الاستياء والغضب من أعضاء الحكومة بسبب أدائهم الباهت والمخيب للآمال.
ولعل الجميع يستحضر كيف عاتب الملك محمد السادس رئيس الحكومة بخصوص التأخر والفشل الحاصل في تنزيل سياسات الصحة والتكوين والتشغيل والماء والمنطقة الحرة لسوس ماسة، داعيا إياه للتحرك بشكل أكثر جدية وفعالية.
وَمِمَّا لا شك فيه، أن الجلسات الملكية المتواترة ستقضي على نوع من المشاريع الوهمية التي كانت تقدم أمام الملك بحضور أضواء الإعلام العمومي، دون أن تتم مواكبة تلك المشاريع ودون أن تخرج من “الماكيط” الذي قدم لأعلى سلطة في البلد إلى أرض الواقع، بسبب نقص في الجدية اللازمة والاستهتار بالتعهد أمام الملك، والذي أصبح يطبع سلوكات الحكومات بعدما خرقت كل تعهداتها أمام ناخبيها.
لقد أضحت جلسات العمل الملكية المصغرة آلية فعالة لتنزيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة الذي ردده الملك في الكثير من خطبه، واليوم تكفلت تلك الجلسات بتفعيل هذا المبدأ عمليا حتى لا يبقى حبرا على ورق، ومتابعة تنفيذ المشاريع، خصوصا تلك التي تتجاوز زمن الحكومات لأنها مشاريع دولة وليست مشاريع أحزاب وأغلبيات.
لذلك، تحرص الملكية على ممارسة وظيفتها الاستراتيجية بشكل كامل، ولم تعد تتساهل تجاه أي مسؤول مهما علا شأنه ومهما كان انتماؤه السياسي، يتماطل بشكل إرادي أو غير إرادي في احترام تعهداته أمام رمز الدولة.
وفي الأخير قد ينبري بعض الدستورانيين لانتقاد جلسات العمل المصغرة، بحجة أنها غير واردة في الدستور، وأن اجتماعات الملك بالوزراء تكون فقط خلال المجلس الوزاري. لهؤلاء نقول إنه ليس هناك ما يمنع الجالس على العرش دستوريا وقانونيا من ممارسة صلاحياته الاستراتيجية كملك دستوري ورئيس للدولة، له الحق في أن ينهج مسلكا من شأنه ممارسة السلطة الرئاسية وتفعيل المحاسبة والسهر على حماية مصالح المواطنين وسير المؤسسات الدستورية التي أوكلها الدستور والتاريخ والدين للملك وليس للحكومة.