شهدت الفترة 2011-2015 تكريس المبادئ الدستورية للجهوية المتقدمة، حيث نص الدستور في فصله الأول على أن التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لامركزي يقـوم على الجهوية المتقدمة، وتفعيلا للمبادئ الدستورية، تم سنة 2015، إصدار ثلاثة قوانين تنظيمية تهم الجماعات الترابية بمستوياتها الثلاثة، منحت لهذه الأخيرة صلاحيات جديدة وواسعة.
وشكلت الفترة 2015-2018 مرحلة تأسيسية في مسار الجهوية المتقدمة، لتزامنها مع إحداث وتفعيل مختلف هياكل مجالس الجهات، واستكمال إصدار النصوص التطبيقية للقوانين التنظيمية الثلاث المتعلقة بالجماعات الترابية، فضلا عن إصدار الميثاق الوطني للاتمركز الإداري الذي شكل دعامة أساسية لإنجاح هذا الورش، لكن تنزيله شابته العديد من الاختلالات والأعطاب، سبق أن رصدها المجلس الأعلى للحسابات في تقرير يتعلق بالمهمة الموضوعاتية حول تفعيل الجهوية المتقدمة.
وقد همت هذه المهمة تقييم التقدم المحرز في تفعيل الجهوية المتقدمة بما في ذلك الشق المتعلق باللاتمركز الإداري، مع التركيز، في المرحلة الأولى، على الجهات بالنظر لمكانة الصدارة التي تحتلها، بالنسبة للجماعات الترابية الأخرى، في إعداد المخططات والبرامج، وشملت المهمة الإطار القانوني والمؤسساتي للجهوية المتقدمة، وآليات تفعيلها والموارد المرصودة للجهات لجعلها أقطابا اقتصادية ورافعة للتنمية المستدامة، وكذا اختصاصات الجهات الذاتية والمشتركة والمنقولة، حيث رصد التقرير جملة من الاختلالات تعترض تفعيل هذه الاختصاصات على أرض الواقع.
ويظهر من خلال الممارسة الميدانية أن هذه المجالس، وعندما نتحدث عن المجالس نتحدث عن مكوناتها السياسية، التي مازالت بعيدة كل البعد عن استيعاب فلسفة الجهوية المتقدمة التي انخرط فيها المغرب، وتعتبر خيارا إستراتيجيا للدولة، تحولت (مجالس الجهات) إلى مجرد مجالس جماعية كبيرة، تناقش المشاكل البسيطة التي يمكن حلها من طرف الجماعات، عوض الانكباب على ممارسة الاختصاصات والصلاحيات التي خولها الدستور لمجالس الجهات.
إذن، الأحزاب السياسية مسؤولة بالدرجة الأولى عن الأعطاب التي تعرفها الجهات، لأنها لم تقدر على ترشيح نخب تتوفر فيها شروط الكفاءه والنزاهة لاستيعاب فلسفة الجهوية، ونذكر على سبيل المثال، جهة الشرق، التي يقبع رئيسها داخل السجن، واضطرت وزارة الداخلية لإقالته وكل مكتب مجلس الجهة، وكذلك باقي المجالس الجهوية التي عجزت عن وضع برامج تنموية جهوية، وأصبحت تدبر المشاريع بمنطق «الغنيمة».
كما أن الحكومة السابقة تتحمل المسؤولية بدورها، لأنها فشلت في تنزيل ورش الجهوية المتقدمة بعد مرور ست سنوات على تنظيم أول انتخابات لمجالس الجهات وفق التقطع الجهوي الجديد، وخلال هذه الولاية، وبعد مرور حوالي ثلاث سنوات عمرها، فإن الحصيلة لا تبشر بالخير، بسبب غياب برامج التنمية الجهوية، التي تواجه اختلالات قانونية وتنظيمية وسياسية، كما أن الجهات مازالت بدون اختصاصات ذاتية، ومازالت جميع الإدارات ومصالح المواطنين مرتبطة بـالعاصمة «الرباط».