شوف تشوف

الرئيسية

الجهل لا دين له

ما حدث في فاس وطنجة وسلا ليلة السبت/الأحد دليل واضح على أن اقتفاء صندوق تعليمات البنك الدولي بخصوص تقليص الاعتمادات المالية العمومية لقطاعي التعليم والصحة هو خطأ كبير. فما حدث من خروج جماهير ترفع التكبير ضد كورونا معناه الجهل وتوظيف الدين أسوء توظيف، وخرق سافر لقانون الطوارئ واستخفاف بالدولة والمجتمع في لحظة جد حرجة وخطيرة نمر به. فالآلاف الذين خرجوا للشارع العام يتبادلون “الرذاذ الفموي القاتل” باسم الابتهال والدعاء هو دليل على أننا نحصد ما زرعنا. لذلك هو حصاد لأن الدولة عندما قررت أخيرا أن تخاطب المواطنين بالعلم والعقل بخصوص سلامة أبدانهم، فإنها لم تجد أرواحا ولا عقولا تسمع وتعي ما تسمع، اللهم إلا إذا استثنينا طبقة اجتماعية محدودة التأثير. لذلك لم تمر إلا أربعة وعشرون ساعة على فرض الطوارئ الصحية، حتى استطاعت دعوة حفنة من الدجالين المُتَّشِحين بالدين تحقيق ما لم تستطع عشرات البلاغات والتصريحات والدعوات الرسمية وغير الرسمية.
الأمر نفسه شاهدناه على وسائل النقل المختلفة، إذ بمجرد الإعلان عن حالة الطوارئ حتى تكدس الآلاف في المحطات، وخاصة في المدن الكبرى التي سجلت بها حالات محلية كالرباط والدار البيضاء وطنجة وفاس ومكناس، وأغلب المسافرين يعتقدون بأن هروبهم من هواء المدن سيضمن لهم عدم الإصابة، وأغلب هؤلاء انتقلوا للقرى والبوادي التي تتواجد عائلاتهم بها. اعتقادا منهم مرة أخرى بأن نقاء هواء القرى والبوادي سيضمن لهم المعافاة، والوجه الخطير الاعتقاد هو انتقال العدوى إلى مناطق تتسم بالهشاشة، حيث لا مستوصفات ولا أطباء ولا ممرضين، والسبب مرة أخرى، ليس لكون الدولة لم تتواصل، بل إنها تواصلت بشكل جيد وشفاف، بشهادة تقارير دولية، ولكن لأن دائرة الذين وصلهم خطابها وأثر فيهم قليل جدا قياسا لشرائح تعتقد بأفكار انتحارية عنوانها “القضاء والقدر”، روج لها بعض الدجالين، لأسباب سياسوية غير خفية. وتفاصيلها هي أن “الإكثار من الدعاء والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى سيرفع ه البلوى عن الناس”، مع أن التضرع والدعاء نفسه لم ينفع مؤمنين لسنا أفضل ولا أصدق ولا أتقى منهم في إيطاليا حيث الوفايات بسبب الفيروس بالمئات كل يوم.
نعود ونقول، عندما قررت الدولة أن تكون دولة علم وعقل في تعاطيها مع كارثة وجدت شرائح عريضة لا تؤمن بالعلم ولا بالعقل، مستهترة بخطورة الوضع باسم الخرافة وباسم أفكار تنسب زورا للدين والدين منها براء. لذلك علينا أن نرتب أولوياتنا، فإذا كانت التبرعات القياسية التي قدمها المغاربة لصندوق مكافحة كورونا، قد تمكننا من استدراك أخطاءنا في مجال الصحة، لكونها ستؤهل بنيات الاستقبال في المؤسسات الصحية، فإن القيام بالأمر نفسه في مجال التعليم يحتاج لقرارات سياسية شجاعة بل وجريئة، لأن الأمر لا يتعلق بإمكانات مادية، بل بنموذج تربوي يحتاج لمراجعة جدرية، في أفق وضع نموذج تربوي جديد عماده المدرسة العمومية كما أسسها الآباء المؤسسون في العصر الحديث (روسو، كانط، كوندورسيه..)، ونقصد “المدرسة اللائكية”، مدرسة الأنوار العقلية والقيم العلمية والكونية وليست مدرسة لا تختلف عن زوايا التصوف الطرقي شكلا ومضمونا.
فمثلما لا وجود للصدفة والحظ في مجال الطبيعة، لكون الضرورة تحكم كل الحوادث، ولا فرق هنا بين أن نعلم أسبابها أو نجهلها، فإن ما حدث من هيجان روحي في فاس وطنجة ليس صدفة ولا بختا وإنما حدث لأننا وفرنا، كدولة، أسبابه الموضوعية. وإلا ما معنى أن تدفع تدوينة واحدة تقطر خرافة كتبها شخص جاهل يسمي نفسه “راق شرعي” الناس إلى المخاطرة بصحتهم بينما لم تقدر على ذلك مئات التحذيرات الرسمية المستندة إلى العلم والعقل؟ ماذا يعني أن ينشغل الناس بمحاولات إيجاد شعرة في القرآن واعتبارها شربها مع الماء لقاحا ضد الفيروس؟ أليس هذا جهل بالدين أيضا؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى