شوف تشوف

الرئيسيةسري للغايةسياسية

الجزائريون كانوا مجبرين على الاختيار بين السيئ والأسوأ

يونس جنوحي

عندما وضع هشام عبود قدميه في فرنسا، أصبح ينظر إلى الجزائر بنظرة مختلفة..، ليس لأنه حصل على اللجوء السياسي، ولكن لأن الأحداث التي وقعت في تلك الأيام جعلته يخرج بخلاصات بحكم أنه، ولأول مرة، كان يتابع ما يقع في الجزائر من الخارج.

لا يملك أحد في الجزائر حق طرح السؤال عن الوضعية الإدارية للجنرالات الذين تجاوزت أعمارهم السن الإداري للتقاعد. لا أحد يستطيع مُساءلة القصر الجمهوري عن قرارات الإعفاء أو التمديد أو التكليف بالمهام. بل إن رئيس الجمهورية نفسه، أي عبد العزيز بوتفليقة الذي وصل إلى السلطة سنة 1999، لم يكن يملك أي سلطة على الجنرالات رغم أنه كان تربية خالصة لأحد مؤسسي «الفكر» العسكري في الجزائر، ويتعلق الأمر بالهواري بومدين.

 

التقاعد؟

يقول هشام عبود: «متى يكون التقاعد الحقيقي للجنرالات؟ سكوت! إنه موضوع مُحرم. وحدهم أعداء الجزائر يطرحون هذا النوع من الأسئلة المتناقضة».

نعم، لقد حاول النظام جعل أسئلة مشروعة تبدو كما لو أنها ضرب في النظام واستفزاز للاستقرار السياسي. علما أن هذا السؤال كان جوهريا للغاية، بحكم أن شعارات الإصلاح السياسي الذي وعد به بوتفليقة الجزائريين، كانت تقوم بالأساس على التخلص من وجوه عسكرية مل الجزائريون رؤيتها في كل الأحداث والمحطات، دون أن تُباشر أي إصلاح.

شباب كان غارقا في البطالة وبدون مستقبل، يقول هشام عبود إنهم كانوا يكنون كراهية كبيرة لرموز المؤسسة العسكرية لأنهم كانوا مسؤولين عن مآسي هؤلاء الشباب.

ولم يكن بوتفليقة قادرا على رمي تلك «الحصى» في البركة الراكدة،

وكل من كان يستنكر هذا الجمود السياسي الذي فرضه الجنرالات، كان مصيره المضايقات التي تصل حد الزج في السجون بتهم «سخيفة».

يضيف هشام عبود، أيضا، قائلا إن الجزائريين كانوا مضطرين إلى الاختيار بين «الكوليرا» و«الطاعون»، في إشارة إلى جبهة الإنقاذ وبين الجيش، أي أن الجزائريين كانوا مُجبرين على الاختيار بين السيئ والأسوأ.

كلاهما، الجيش والجبهة، حسب هشام عبود دائما، كانا يشكلان تهديدا لحياة الجزائريين واستقرارهم، ولم يكن هناك أي بديل ثالث أو اختيار آخر قد يختاره الجزائريون لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

هناك من اتهم هشام عبود، بعد صدور هذه المذكرات، بأنه كان غير محايد أثناء مهاجمته لبعض الشخصيات، واتُهم بأنه أراد تصفية حسابات تعود إلى أيام كان يشتغل في ديوان الجنرال محمد بتشين.

لكن عبود دافع عن نفسه بشكل مسبق، وهو يؤلف خاتمة هذه المذكرات، حيث لم يستثن الجنرال محمد بتشين من الانتقاد، بل وقال إنه كان أحد رموز الفساد، واعترف بأنه اتصل به مرات كثيرة حتى بعد مغادرته الجزائر، وتحدث عن الأدوار «الشيطانية» التي لعبها بتشين في توقيف التجربة الصحافية التي أطلقها هشام عبود، وهذا التوقيف كان أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت هشام عبود يختار المنفى.

«ما دام هؤلاء الجنرالات في السلطة، فإن الشمس لن تشرق أبدا في الجزائر». يشرح هشام عبود هنا معادلة انطلاق الإصلاح في الجزائر. ولم يكن بوسع أحد من جزائريي الداخل أن يطعن في هذه القاعدة، خصوصا وأن الجميع كانوا يرون كيف أن عبد العزيز بوتفليقة بقي عاجزا، منذ انتخابه رئيسا للبلاد لأول مرة، عن اتخاذ أي خطوة إلى الأمام في تحقيق أحلامه السياسية واستعادة أمجاده التي تعود إلى سبعينيات القرن الماضي. إذ رغم أنه نجح في حسم نتيجة الانتخابات الرئيسية لصالحه في أكثر من مناسبة، إلا أنه خسر الحرب الأهم ضد مافيا الجنرالات، وصار مجرد رئيس آخر، وكأنه يدخل غمار السياسة لأول مرة في حياته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى