خالد فتحي
لنقارن بين الصورتين، أولا، ثم لنحصل على الاستنتاجات الواجبة؛ دولة خارجة من زلزال مدمر، لكنها تضمد جراحها بسرعة قياسية، وتهب للوفاء بالتزاماتها حاصلة على إجماع إفريقي بتنظيم كأس إفريقيا، ودولة على جانبها الشرقي تفيض بترولا وغازا، ويتبجح نظامها كل آن وحين بأنها القوة الضاربة والدولة العظمى التي «لا يشق لها غبار»، والمفروض نظريا أنها تملك كل حظوظ الفوز بالتنظيم، خصوصا مع الفاجعة التي أصابت غريمتها، لكنها تغادر حلبة السباق ضد المغرب عن طواعية مكتفية من الغنيمة بالإياب، بل وتضطر مكرهة أن تنسحب من نسختين متتاليتين من التظاهرة نفسها، حتى لا يقال إنها خسرت أمام المملكة .
يحار الكثيرون فعلا أمام هذا الموقف الجزائري الذي تم في الوقت الميت، ويذهبون في تفسيره مذاهب شتى، خصوصا مع الحماس الذي كانت تبين عنه السلطات الجزائرية للفوز بذلك الشرف، والذي كانت تنقل عدواه بسبق إصرار وترصد حتى للجماهير الجزائرية، التي كانت تتطلع لمكسب ينسيها متوالية الانكسارات والانهزامات الأخيرة التي جناها عليها النظام.
استقبال تبون لرئيس اتحاد الكرة الجزائري، قبل إعلان التنحي، يشي بأن القرار سياسي جدا، رغم تعليله بأن الجزائر بصدد استراتيجية ونهج جديد يسعى لتطوير كرة القدم داخليا.
لكني مع ذلك أعتقد أن هذا التراجع حصل بسبب وقوع الجزائر تحت عصاب البريكس… بسبب اكتئاب ما بعد صدمة رفض دخولها إليه، والدليل أنها قاست العذر الرياضي على العلة الاقتصادية نفسها التي رفعت في وجهها من طرف منظمة البريكس كونها لا تملك اقتصادا تنافسيا متطورا.
لقد فهمت الجزائر، أخيرا، أن إمكانية عودتها بخفي حنين من القاهرة أمر مرجح الحدوث، وأنها لن تستطيع أن تحاكي صولة الرباط الرياضية، خصوصا مع الملف القوي للمغرب الذي تسبقه الآن سمعته الكروية العالمية إلى المحافل القارية والدولية، وتبسط له مواقف عاهله على المستوى الدولي البساط الأخضر داخلها.. ولذلك لم تكن لتتحمل أن تتحول مصر إلى جنوب إفريقيا أخرى، ويصير الكاف بريكس إضافية لكوابيسها التي لا تنتهي، غير أنها كانت ترى، بالنسبة لمثل هذه النكسة أو السقطة، أنها كانت ستجفف ما تبقى من ماء الوجه لنظام فشل في كل شيء، ولن يكون بوسعه أن يستعمل هذه المرة الشجاعة المغربية. كان النظام يعرف، إذن، أن خيبة الشعب الجزائري، الذي سوقت له الأوهام بكونه في طليعة الدول التي تتحرق لضمها دول البريكس، لا تزال عالقة بذهنه معكرة عليه مزاجه، وبالتالي هو لن يطيق التعرض لأي إحباط آخر ولأي رفض آخر وفي مدد متقاربة جدا من الآخرين، ولذلك قرر هذا النظام، أخيرا، أن يبادر ويرفض هو نفسه بنفسه، معتقدا أنه يحول بذلك الهزيمة إلى نصف هزيمة، والخسارة إلى ما يصوره نصف خسارة أو ما يكون بمقدوره أن يسوقه كتراجع «استراتيجي» .
ما كان مؤرقا لحكام الجزائر حقا أن فشلهم أمام المغرب كان سيؤدي بالجزائريين إلى القيام بتلك المقارنة بين أوضاع بلادهم وأوضاع البلد الشقيق الذي تفرض عليهم معاداته ومخاصمته، فيكتشفوا للمرة الألف ما يضيعه نظامهم عليهم وعلى شعوب المغرب الكبير من تنمية وفرص لا تعوض للتقدم.
لكن، مع ذلك، تبقى الشعوب الذكية قادرة أو بالأحرى تنتهي إلى أن تقرأ الأحداث قراءة صحيحة، خصوصا حين يسبق لها التعرض بشكل نظامي لمحاولات تضليل وصرف للأنظار بالطروحات الواهية نفسها التي تتكرر. ولذلك سيعرف الجزائريون بالتأكيد أن المغرب استحق التنظيم، ليس لانسحاب الجزائر، بل لأنه الأفضل، ولأنه البلد الذي شيد لنفسه مكانة سامقة لدى الأفارقة تجعله يستحيل الآن، في نظرهم، ليس إلى رمز كروي وأيقونة رياضية فحسب، بل إلى رمز للانعتاق من الاستعمار الكامن في قارتنا، وإلى مثال للقدرة على الانطلاق بإفريقيا والإقلاع بها، من خلال مواقفه المشرفة على المسرح الدولي، نحو الآفاق الرحبة التي تنتظرها.