شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

الجزائر ودرس البريكس  

 

 

خالد فتحي

 

تحتمل المعايير التي اعتمدتها الدول الخمس للبريكس في زيادة أعضاء جدد أكثر من قراءة، وبالتالي تتعدد الآراء وتتباين التحليلات في تحديد السبب الحقيقي والحاسم لرفض طلب الجزائر الانتماء لهذه المنظمة الواعدة، خصوصا وأنه الطلب الذي روج لقبوله بإلحاح مثير الإعلام الرسمي الجزائري مستبقا العرس بليلة، كما يقول المثل المغربي.

ومما يفاقم هذه الحيرة في تشخيص للعوامل التي أدت لهذه الخيبة الجزائرية، كون هذه المنظمة لازالت دون توجه صريح يتيح تصنيفها وحسم طبيعتها، أسياسية هي، أم اقتصادية؟ أم إيديولوجية؟ إذا ما ضربنا صفحا عن كلام عام حول قدرتها على إنهاء هيمنة الغرب والدولار أو معاكسة القطبية الواحدة على الأقل، مما تعسر معه معرفة أي دور قد تحتاج فيه دولة كالجزائر تحيط بها أزمات إقليمية من كل حدودها داخل هكذا تكتل.

زد على ذلك أنه عندما نستدعي مخرجات قمتها الأخيرة، نكتشف، من جانب آخر، أنها دعت لأجل تعزيز صفوف البريكس دولا بعينها يتوفر فيها إما العامل الديمغرافي كإثيوبيا ومصر بكثافتهما السكانية العالية، أو العامل الاقتصادي والطاقي كالسعودية والإمارات، وكذلك العامل الجيواستراتيجي كإيران، وهي الشروط التي يسجل المحللون غيابها لدى الجزائر رغم ثروة البترول والغاز وشساعة المساحة وعدد السكان الذي يضاعف عدة مرات سكان وافد جديد كالإمارات. إن هذه الملاحظات يتعين على الجزائريين قبلنا تمحيصها واستخلاص العبر منها .

الجزائر كانت أكثر الدول تحرقا وتشوفا لهذه العضوية التي علق عليها النظام آمالا كبيرة لتدعيم شرعية الإنجاز لديه بتسويقها للشعب الجزائري كعلامة جودة أو اعتراف دولي «بالمكانة العالية» التي «أصبحت تحتلها الجزائر»، بل وتخيلها هذا النظام نفسه سباقا سيربحه ضد المغرب، ولذلك كانت الصدمة على حجم هذه الهرولة غير المدروسة، حتى لأنه إبعاد بطعم الإهانة لهذا النظام الذي وضع كل بيضه في هذه الحملة جاعلا من هذا الانضمام مسألة استفتاء على مكانته، فكان الجواب الذي علمه العالم جميعه .

لكني أعتقد جازما أن الجزائر كان بإمكانها أن تتجاوز كل تلك الشروط وتنتمي عن جدارة للبريكس، لو كانت فقط دولة بغير هاته السوابق العبثية التي راكمتها… أو كانت دولة بعيدة عن هذه الصورة الفجة التي رسمتها لنفسها بسبب ربيبتها البوليساريو، ذلك أن سلوكها على الركح الدولي، وورطتها المزمنة في إدارة مشكل مفتعل لما يقرب النصف قرن، وعداءها السافر للمغرب الرقم الصعب مغاربيا وعربيا وإفريقيا وإسلاميا، وتكلسها وإصرارها على البقاء متصلبة مجترة للمواقف البائدة غير المنتجة، وعدم سلاسة وضعها في محيطها الإقليمي، كل ذلك جعل الدول المؤسسة تتوجسها وتتفاداها وتزور عنها ازورارا حتى لا تنجر معها للمشاكل والمتاهات التي تدور فيها .

من الواضح أن البريكس نأى بنفسه عن النزاعات الثنائية، ولذلك حين استدعى مصر توجه كذلك نحو إثيوبيا وبينهما ما بينهما من صراعات واحتقانات بسبب سد النهضة، ثم إنه حين ضم إليه السعودية، البلد السني، أضاف معها أيضا إيران البلد الشيعي مع ما كان ومازال بينهما من تناحر حول مناطق النفوذ، وكذلك فعل مع الأرجنتين لتشكل توازنا مع البرازيل لأمريكا اللاتينية بداخل البريكس.

لم تفهم الجزائر، إذن، أنها لم تكن لتنضم للبريكس دون المغرب الذي تناصبه العداء بشمال إفريقيا، وأنه هو التوأم كما أكد لها مرارا على ذلك جلالة الملك الذي كان يلزمها لدخول البريكس .

لو تقدم المغرب بطلبه للقمة، ولو لم تناوشه الجزائر وقرينتها جنوب إفريقيا بدعوة المدعو غالي لأخذ الصور مع بعض القادة ولصقها على مواقع التواصل الاجتماعي، ولو كانت الجزائر أحكمت حساباتها، وقرأت التغيرات الدولية قراءة صحيحة، وركزت كل حواسها على الانضمام للبريكس عوض التركيز على صنيعتها البوليساريو، لكانت بالتأكيد في مقدمة هذه الدول التي وجهت لها الدعوة للانضمام .

إنه حين تآمرت الجزائر لإحضار رئيس الجمهورية الوهمية لجوهانسبورغ، برهنت على أنها لا تنتمي لنادي الكبار، بل وأبانت عن نقص فظيع في الحنكة والدربة والدهاء، وعن خصاص الحكمة في تصرفاتها، والأدهى من كل ذلك عن قصورها البين عن فهم الرهانات التي تسعى إليها الدول الخمس التي تأمل في قلب المعاملات الاقتصادية الدولية، فلا تنظر إلى صغائر الأمور التي تنال من هيبة الدول. وهو ما جعلها لا ترغب في دول غارقة في التفاهات… دول تخوض حروبا دون مجد ودونما أفق أو رهان، وخصوصا حين تكون على شاكلة الجزائر التي يدعي نظامها أن له دورا على الصعيد الدولي، فيصف نفسه متهافتا بالقوة الضاربة.

أظن، وأغلب الظن حقيقة، أن زعماء البريكس لم يكن بوسعهم أن يمنحوا الجزائر أكثر من معروف واحد، ولذلك حين حصلت على دعوة غالي بتصرف انفرادي وطائش من رئيس جنوب إفريقيا، ولذلك لم ير أي واحد منهم غضاضة في رفض انضمام الجزائر إلى صفوف هذه المنظمة. فالمؤكد أنهم تنصلوا بالأفعال من وزر هذه الضلالة التي تغيب وعي الجزائر بمصلحتها. وبالتالي تكون الجزائر هي التي جنت على نفسها بمثل هذا التصرف الذي جعلها ترضى من الغنيمة بالإياب .

لقد نأى هؤلاء الزعماء بمنظمتهم الفتية عن أن تمتهن أو تبتلى بجدل عقيم حول قضية خاوية الوفاض، وربأوا بها أن تمرغ الجزائر سمعتها في المقبل من القمم، وهم الذين ينشدون لها وهجا وأهدافا عظيمة .

فها هي الجزائر تدفع مرة أخرى ضريبة هذا الوهم الذي ترعاه، وها هي تخرج من الباب الضيق بعد أن فشلت في الاختبار على مرأى ومسمع من العالم. فإلى متى تظل تضيع الفرص، ليس على شعبها فقط، بل على كل الشعوب المغاربية بأسرها؟ وإلى متى يظل نظامها يغامر ويقامر بالمصالح الحيوية لشعبه؟

وهل ستستوعب الدرس هذه المرة، وتعيد حساباتها؟ هل تتفهم بالخصوص أن الطريق إلى البريكس وإلى المكانة الدولية يمر عبر ممارسة جريئة للنقد الذاتي، وإصلاح لذات البين مع جيرانها الذين إما تستعديهم أو تستضعفهم.

حين تلتحم الجزائر إقليميا مع أشقائها، وحين تكف عن عرقلة قطار المغرب الكبير، فستنضم للبريكس دونما طلب. إذ لا منظمة ستستطيع آنذاك أن تقفز على مغرب عربي موحد، ولا جهة ستولي ظهرها لهذه الدولة العظمى .

إن الجزائر دفعت بهذا الرفض الذي واجهته ضريبة اللامغرب العربي الذي أصرت دوما على وأده. وقديما قالت العرب: «على نفسها جنت براقش».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى