الجزائر الهشة
لم نكن نعلم أن حكام الجزائر بهذه الهشاشة التي جعلتهم يخرجون عن طوعهم وينفثون ما في جعبتهم من حقد وضغينة ويستدعون سفيرهم للتشاور، لمجرد تصريح للممثل المغربي الدائم بالأمم المتحدة، رد فيه على ترهات وزير الخارجية الجزائري الذي وقف كمدافع قوي عن حق تقرير المصير لجبهة البوليساريو، بينما ذكره المسؤول المغربي بنكران هذا الحق نفسه لشعب القبائل أحد أقدم الشعوب في إفريقيا والذي يعاني من أطول احتلال أجنبي.
لم نكن نعلم أن كلمات معدودات في محفل ديبلوماسي لدول يفترض أنها غير منحازة، ستستنفر مؤسسات الجزائر وتخرج أحزابها وإعلامها ونقاباتها وبرلمانها وحكومتها عن بكرة أبيهم، ليطالبوا الدولة المغربية بتقديم التوضيح والتفسير وبعد ذلك استدعاء السفير والتهديد باتخاذ إجراءات ديبلوماسية أخرى، بينما لم تتوان الجارة الشرقية طيلة نصف قرن في المس بوحدتنا الترابية واستهداف مؤسساتنا الدستورية ورموزنا الوطنية.
وطيلة هذه السنين اختار المغرب، ليس جبنا وإنما رشدا، تحمل عبء حماقات عسكر الجزائر وفضل الانحياز للغة المنجزات التنموية والانتصارات الديبلوماسية، لكن بمجرد أن ذكر المندوب الأممي المغربي حكام الجزائر بسياسة الكيل بمكيالين في قضية تقرير المصير، حتى قامت الدنيا ولم تقعد داخل ردهات قصر المرادية وقاعات تحرير إعلام العسكر والمقرات الديبلوماسية وانهار في 24 ساعة ما تبقى لدى حكام الجزائر من منسوب التعقل وضبط النفس.
طبعا المغرب حريص على وحدة الجزائر وسلامة أراضيها، لكن هاته القناعة تحتاج إلى معاملة بالمثل واحترام ما يفرضه مبدأ حسن الجوار من واجبات وحقوق، فالديبلوماسية المغربية لا تدبر بمنطق المسيح عليه السلام تصفعها على خدها الأيمن فتدير لك الخد الأيسر، أو تأخذ رداءها فتعطيك إزارها. لا شك أن الديبلوماسية المغربية يحكمها التعقل والترفع عن التفاهات والمناكفات التي تضيع على الشعوب فرص التنمية والوحدة، لكن الكيل طفح تجاه نظام لا يمل ولا يكل من الإمعان في إذاية جاره بكل الطرق الممكنة مهما كانت بشعة.
من حق الجزائر أن تستدعي سفيرها فذلك قرارها السيادي لكن كان عليها أن تتذكر أن المغرب عاش لزهاء 50 سنة في مواجهة نظام عسكري جزائري، لا يتقن سوى إنفاق أموال شعبه على زعزعة وحدة المغرب ودعم شرذمة من الانفصاليين، ومع ذلك لم يستدع سفيرنا ولم يهدد بحرب ولم يلوح بطرد السفير، والآن وجب على حكام الجزائر أن يتجرعوا ولو قطرة من بحر السم الذي حاولوا إغراقنا فيه، وتحمل تبعات عقيدة الكراهية والحقد.
لقد ظل المغرب مؤمنا بأن يعود حكام الجزائر يوما ما إلى جادة الصواب، لكن يبدو أن رقعة حماقاتهم تتجه نحو التوسع ومنسوب عدائهم يرتفع، لذلك أصبحت الحاجة ماسة للعلاج بالكي فهو أخف ضرر لإزالة أضرار كبرى.