الجدل مستمر: أيهما الأولى رحيل الأسد أم الحرب على «الدولة الاسلامية»؟
مع انتهاء العطلات الصيفية رسميا مع مطلع شهر سبتمبر الجاري يمكن القول أن الملف السوري سيشهد حراكا متسارعا غير مسبوق، سواء أثناء اللقاء الذي سيتم يوم الجمعة المقبل بين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس الأمريكي باراك أوباما، أو داخل أروقة الأمم المتحدة، حيث من المقرر أن تبدأ اجتماعات الجمعية العامة التي يحضرها العديد من الزعماء ووزراء الخارجية العرب مثلما جرت العادة كل عام.
هناك مؤشران مهمان في هذا الصدد يمكن رصدهما في هذا الإطار:
• الأول: اللقاء الذي تم الاثنين في مدينة جدة بين وزير الخارجية السعودية عادل الجبير والمبعوث الأمريكي إلى سورية مايكل راتني، ويعتقد أنه جاء تمهيدا لزيارة العاهل السعودي المرتقبة لواشنطن.
• الثاني: الوثيقة التي قدمها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا إلى مجلس الأمن واقترح فيها تشكيل أربع لجان: الأولى للأمن والحماية، وتعني إنهاء الحصار ووصول المواد الإغاثية لكل المناطق السورية، ووقف إطلاق النار، والثانية تتعلق بالقضايا الدستورية والسياسية، والثالثة الإصلاحات السياسية، والرابعة تشكيل حكومة انتقالية تحارب الإرهاب وتشرف على إعادة الإعمار.
هناك مدرستان في ما يتعلق بالتعاطي مع الملف السوري للتوصل إلى الحل السياسي الذي تتفق عليه جميع الأطراف:
• الأولى: تتزعمها المملكة العربية السعودية وتعطي الأولوية المطلقة لرحيل الرئيس الأسد أولا.
• الثانية: تتزعمها موسكو، وتدعمها واشنطن، وتطالب بإعطاء الأولوية لمحاربة الإرهاب ومنظماته، و”الدولة الاسلامية” على وجه الخصوص.
السعودية تقول مثلما ورد على لسان وزير خارجيتها عادل الجبير في موسكو أن رحيل الرئيس السوري أولوية مطلقة لأنه جزء من المشكلة وليس جزءا من الحل، بينما ترى روسيا أن الأسد هو العمود الفقري لأي حرب ناجحة ضد الإرهاب، وأكد وزير خارجيتها سيرغي لافروف أن طرح رحيل الرئيس السوري كشرط مسبق غير مقبول، وأن الشعب السوري وحده هو الذي يقرر مصير رئيسه وبلاده.
الجهود السعودية لتغيير موقف موسكو ودفعها للتخلي عن الرئيس السوري باءت بالفشل، رغم المغريات المادية الكثيرة التي عرضها الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي على القيادة الروسية أثناء زيارته الأخيرة للعاصمة الروسية، ومن بينها صفقات أسلحة، وشراء مفاعلات نووية، وهناك أنباء تفيد أن السعودية يئست من تغيير الموقف الروسي، ويتمثل هذا اليأس في قرار العاهل السعودي بزيارة واشنطن وعدم تحديد أي موعد في المستقبل المنظور لتلبية دعوة روسية بزيارة موسكو.
روسيا لن تخسر شيئا في حال “حرد” السعودية، فهي تراهن حاليا على إيران التي سيرفع عنها الحصار قريبا، والدور الإقليمي الذي ستلعبه في المنطقة، وهذا ما يفسر صفقة صواريخ إس 300 التي قررت روسيا تسليمها إلى إيران، مضافا إلى ذلك أن زيارة ثلاثة زعماء عرب الأسبوع الماضي لموسكو (الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني عبد الله الثاني، وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد) يمكن أن تعوض أي خسارة سعودية سياسية أو اقتصادية.
وإذا كان رحيل الرئيس الأسد يشكل عقبة رئيسية وموضع خلاف، فإن توحيد المعارضة السورية يشكل عقدة أكبر، فالائتلاف السوري خسر مكانته وصفته التمثيلية الوحيدة، والأخطر من ذلك، أن جميع فصائل المعارضة السورية المرشحة للمشاركة في لجان دي ميستورا الأربع المقترحة، والحكومة الانتقالية بالتالي، لا يوجد لها أي تمثيل حقيقي سياسي أو عسكري على الأرض السورية، والخلافات فيما بينها أكبر من نظيراتها مع النظام السوري نفسه.
دي ميستورا لم يتحدث مطلقا، علنا أو في الجلسات المغلقة، عن رحيل الأسد لأنه ممنوع الحديث في هذه المسألة، ولأن أي حديث عنها تعني نهايته ومهمته على غرار ما حدث لسلفه الأخضر الابراهيمي.
مسألة رحيل الأسد من عدمه تذكرنا بالجدل البيزنطي حول أيهما أولا، البيضة أم الدجاجة، فالخلاف الآن هو.. هل البداية رحيل الرئيس السوري أو محاربة “الدولة الاسلامية” وأخواتها؟
السيد الجبير وزير الخارجية السعودي قال إن الرئيس الأسد سيرحل سلما أو حربا، ورد عليه لافروف بوصفه وبلده بالغباء، مؤكدا وزاجرا بأن رحيل الأسد يعود إلى شعبه.
السؤال هو: لمن ستكون الغلبة في نهاية المطاف؟
الجدل سيستمر.. وحتى يُحسم، ولا نعتقد أنه سيحسم في المستقبل القريب، سيستمر الرئيس الأسد في منصبه، وستستمر “الدولة الاسلامية” في التمدد، وستستمر عملية سفك الدماء للسوريين، ومن ينجو بروحه من القصف من هذه الجهة أو تلك، ليس أمامه غير ركوب البحر أو الشاحنات المبردة بحثا عن ملجأ آمن له ولأطفاله.