شوف تشوف

الرئيسية

التيسير والتخفيف على الناس

الحديث 649: عن أبي مسعود عقبة بن عمرو البدري رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني لأتأخر عن صلاة الصبحِ من أجل فلان مما يطيل بِنا، فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم غضب في موعظة قط أشد مما غضب يومئذ، فقال: يا أَيها الناس: إن منكم مُنَفرين. فأيكم أم الناس فليوجز، فإن من ورائه الكبير والصغير وذا الحاجة»، متفق عليه.
كان الصحابة حريصون على سؤال واستفسار الرسول في أمور دينهم، لأنه صلى الله عليه وسلم معلم الأمة وهاديها إلى شرع ربها، من ذلك ما ورد عن أسماء بنت أبي بكر قالت: قَدِمَتْ علي أمي وهي مشركة في عهد رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلتُ: أفأصل أُمي؟ قال: نعم صِلِي أمك، وعن عائشة قلت يا رسول الله، إن لي جارين فَإلى أيهما أُهْدِي؟ قَال: إلى أقربهما منك بابا.
من فقه الحديث غضب النبي صلى الله عليه وسلم وإنكاره الإطالة في الصلاة، ويظهر ذلك في قول أبي مسعود: فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم غضب في موعظة قط أشد مما غضب يومئذ، قال النووي: فيه الغضب لما ينكر من أمور الدين والغضب في الموعظة، فالرسول صلى الله عليه وسلم يريد لأمته التيسير عليهم وليس المشقة، قال تعالى: «وما جعل عليكم في الدينِ من حرج».
فغضب رسول الله حرصا منه على الرحمة بأمته والشفقة عليهم، فهو يريد التخفيف على أمته في أمور دينهم ودنياهم ومن ذلك ما ورد في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله أنه قال: صلى معاذ بن جبل لأصحابه العشاء، فطول عليه، فانصرف رجل منا رجل فصلى، فأخبر معاذ عنه، فقال إنه منافق فلما بلغ ذلك الرجل دخل على رسول الله فأخبره ما قال معاذ، فقال له النبي: أتريد أن تكون فتانا يا معاذ، إذا أممت الناس فأقرأ «الشمس وضحاها» و«سبح اسم ربك الأعلى». وعن أبي هريرة أن النبي قال: (إذا أم أحدكم الناس فليخفف، فإن فيهم الصغير، والكبير، والضعيف، والمريض وذا الحاجة، وإذا صلى لنفسه
فليطول ما شاء).
يعتبر التيسير من الصفات التي تساعد الدعة على الإيصال بدعوتهم بين الناس ومعالجة الأمور باليسر والتيسير لا بالعسر والتعسير، وهذا أسلوب النبي كما جاء في حديث أنس: يسروا و لا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا، وهو من وسائل التحفيز للإنسان، سيما إذا كان في بداية إسلامه وهدايته، فلا بد من تيسير الأمور عليه وتبسيطها وعرضها دون تشدد أو تكلف، يرافقها التبشير حتى تغمر قلبه الفرحة وتعم نفسه البهجة ولا تشعر بثقل التكاليف والواجبات عليها، وهي ما زالت تنوء بحمل كبير من العادات السيئة التي يجب التخلص منها، لأن التشدد وعدم التيسير يؤديان إلى ردود أفعال عكسية ومنفرة من الإسلام وأهله، بل تصبح المفاهيم الإسلامية مثار سخرية واستهزاء، ومسوغا واضحا للمتصيدين في الماء العكر لمحاربة الإسلام وأهله وإبعاد الناس عنه.
ومن هنا نرى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعرض الإسلام عرضا سهلا وبسيطا دون تعقيد أو تكليف، فحين سأله رجل فقال: يا رسول ما الإسلام؟ قال: تعبد الله لا تُشرِك به شيئا، وتُقيم الصلاة المكتوبة، وتُؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان.
والحكمة من التيسير في التكاليف، أن الإسلام يراعي طبيعة الإنسان وتفاوت الناس في مدى استعدادهم لبلوغ المستوى الرفيع الذي يرسمه لهم، في ضوء هذا هناك حدا أدنى أو مستوى أدنى من الكمال لا يجوز الهبوط عنه، لأن هذا المستوى ضروري لتكوين شخصية المسلم على نحو معقول، ولأنه أقل ما يمكن قبوله من المسلم ليكون في عداد المسلمين، ولأنه وضع على نحو يستطيع بلوغه أقل الناس قدرة على الارتفاع إلى مستوى الكمال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى