شوف تشوف

الرأي

التواصل

بعيدا عن المسح الشاسع والحديث الطويل عن أسباب ضعف أداء الفرد العربي المعاصر، الذي يدخل في علاقة وثيقة يتناوب فيها المجتمع مع الفرد في تغذية كل منهما للآخر بأسباب وعوامل استقرار الضعف، تعتبر جودة التواصل نقطة الضعف الكبيرة التي تجثم على أداء الفرد مما ينعكس مباشرة على صورة المجتمع، كما يعتبر النجاح في تحسين وتطوير هذا المفتاح العمل القاعدي لتطوير المجتمع وتقدمه.
فسنة الاجتماعات، كأبسط مثال، مع المستخدمين في الورشات الصغرى والمتوسطة شبه منعدمة بالرغم من أهميتها في تخفيف الاحتقان وتحديد العيوب للرفع من وتيرة الفعالية والإنتاج، باتباع منطق المواجهة الهادئة والصريحة من خلال اعتماد آلية الإنصات الدائم للجميع ووضع المشاكل والتحديات في صورة واضحة أمام الجميع وبمشاركة الجميع؛ بدل استعمال أدوات الاستقصاء عن بعد والتنصت وتنصيب العيون السرية لمراقبة سير العمل، وموقف الدين هذا لا يحتاج إلى تذكير، فجل ما يقال في الظلام يسقط عندما يفرض قوله في الضوء بسبب التلفيق والمبالغة في الصياغة التي تميز التقارير السرية، حتى وإن كان بعضها أو جلها صحيحا، فإن عملية العرض على الطاولة والبحث عن الأسباب والتعاون على إيجاد العلاج تبقى الطريقة الصحيحة والأنجع بالمقارنة مع بقية الأساليب الرجعية والمتخلفة التي تملأ أماكن العمل سواء في القطاع العام أو في القطاع الخاص.
فعقلية رجل الأعمال العربي تبقى في الغالب محدودة الأفق إلا من رحم ربك، حيث تجد الثروة أو المشروع المجهري قبل المتوسط والكبير، قد أثقل كاهل صاحبه ونغص عليه حياته، مما يحد من القدرة على التوسع والتطوير، الذي ينعكس على ضعف حركية الاقتصاد العربي، والتي لا يتجاوز سرعة السلحفاة في أفضل الأحوال، فالمقاولات الصغيرة والمتوسطة هي العمود الفقري لأكبر الاقتصاديات العالمية وليست الشركات الكبيرة كما يظهر للبعض؛ في الوقت الذي لم تمنع الثروات القياسية بالغرب أصحابها من العيش بسعادة ومن التمتع بعلاقات جيدة في العمل وخارجه.
إن التركيز على تطوير وتنمية قدرات التواصل عند الفرد العربي في الدراسة وفي العمل أصبح واجبا وطنيا وأولوية قصوى، خاصة بعد أن أصبح التواصل مادة تعليمية وعلما قائما بذاته، لكنه للأسف يبقى فئويا اليوم ويبقى سرا من أسرار التفوق الذي تتوارثه فئات معينة من المجتمع، والذي يعتقده البعض بأنه مجرد حظ عشوائي في النجاح؛ فتعميم تغطية هذه المادة على المستويات والمناطق يدخل في صميم المصلحة العامة، حتى بالرغم من أن كثرة المواد الدراسية تجعل العاقل يستحي من طلب إضافة مادة ما؛ فأهمية الصحة النفسية قبل وخلال المراهقة وضرورة تحميل الجودة في التواصل بعدها، يجعل من توزيعهما بين الصف الإعدادي والثانوي كمادة واحدة منشطرة بين المرحلتين والصنفين، اللذين يسمح تقاربهما بدمجهما، وهو الإجراء الذي سيضمن تحقيق قفزة حقيقية في بناء شخصية الفرد نواة المجتمع والمستقبل الصلبة، فخدمة هذه النقطة هي من خدمة المستقبل الذي لا يجادل أحد في ميزانياته وفي مشاريعه المادية، فنموذج رجل الأعمال قد سيق للقياس فقط والذي لا ينقص من قيمة بقية القياسات سواء في البيت أو في العمل أو في الفضاء العام.
أما بالنسبة لغير التلاميذ والطلبة فالدورات التكوينية مفتاح لا غنى عنه لتطوير هذه المهارة، حيث لا يستثنى في هذا الباب لا الشركات ولا المؤسسات ولا الأحزاب، التي عليها الدخول في خط متواصل للتطوير والتجديد مثلما هو معمول به عند الأنظمة الغربية، التي يعتقد البعض بأنها مجرد رقم قار للتقدم، في الوقت الذي هي عبارة عن ورشة مفتوحة على الدوام للإصلاح والصيانة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى