التواتي تورط في دماء قرية «تادميت» وحارب أبناء بلده
يونس جنوحي
تحدث هشام عبود في هذه المذكرات عن شخصية محمد التواتي، الذي لُقب في أوساط الجنرالات الـ11 بـ«المخ». ولم يحصل على تلك الصفة اعتباطا، بل ظهر أنه اكتسبها عن جدارة واستحقاق. وربما كان الوحيد الذي نجح في مراكمة الثروة والاشتغال في مناصب راقية أمنيا وعسكريا، دون أن يلفت الانتباه إليه. بل لم يفتضح أمره لدى الجزائريين إلا عندما سلط هشام عبود الضوء على تجاوزاته.
المخ
يقول عبود متحدثا عن محمد التواتي: «إنه متعلم آخر داخل نادي الـ11 عسكريا. لقد انضم هو الآخر بدوره إلى جيش التحرير الوطني سنة 1961 حيث تحرك داخل القاعدة المشهورة بـ FLN في المغرب. مصادر متطابقة تؤكد أنه كان عنصرا ممتازا سنوات 1957 و1958، في حين أنه وقتها كان مجندا في الجيش الاستعماري الفرنسي وارتكب مجازر وحشية ودموية ضد المواطنين العزل في «تادميت» حسب شهادات سكان المنطقة المحليين».
ماذا يفعل، إذن، مجرم حرب حسب هذه المعلومات، في الجيش الوطني الجزائري. وكيف انتقل من القتال إلى جانب الاستعمار إلى دخول معسكر جيش التحرير الوطني الجزائري في وجدة.
ربما يكون اسم محمد التواتي معروفا في المغرب خلال نهاية الخمسينيات أكثر مما عرف في الجزائر عند اشتغاله إلى جانب الجنرال خالد نزار وبقية فريق قيادة الأركان والمناصب العسكرية والأمنية الحساسة.
أما سبب حصوله على لقب «المخ» فلأنه كان داهية في إيجاد الحلول السرية للملفات العالقة. ودليل استحقاقه لاسمه أن اسمه لم يُثر لدى الجمعيات التي أسسها المعارضون الجزائريون. ولولا شهادات سكان منطقة «تادميت» الجبلية والمعزولة لما وقع ربط بين لقب «المخ» ومحمد التواتي. لماذا، إذن، يرعى النظام شخصا بهذا الماضي الدموي؟
عُقدة وجدة
أثناء عملية توزيع المناصب في سنة 1979، مباشرة بعد وفاة الهواري بومدين وتأسيس عصابة الـ11، كانت عملية إدماج الذين نشطوا في نواة جيش التحرير الوطني بوجدة قد عرفت عددا كبيرا من الخروقات..، لأن هذه الجماعة كانت مكونة من شخصيات وطنية ساهمت فعلا في تحرير الجزائر ولم يكن داخلها إلا انقلابيون قلائل. بينما الأغلبية كانوا يعارضون ما وصلت إليه البلاد بعد الانقلاب على بن بلة في منتصف الستينيات.
وهكذا ظهر ما يمكن أن نُسميه «عقدة وجدة» لأن الانتماء إلى الخلية التي نشطت هناك وربطت علاقات طيبة جدا مع المغاربة، كان في حد ذاته تهمة لدى جماعة خالد نزار ومن معه.
رجل المهام السوداء
يتعلق الأمر الآن برجل آخر ضمن العصابة. وهو الذي اشتهر بتعيينه مستشارا عسكريا لعبد العزيز بوتفليقة. ويتعلق الأمر بابن عباس غزيل. هذا الأخير الذي كان مطلعا على عدد من الأسرار، ليس العسكرية وحسب، وإنما الأسرار المرتبطة أساسا بالمشاريع السرية وطرق نهب أموال البترول الجزائري وضخها لاحقا بالعملة الصعبة في حسابات بنكية يملكها هؤلاء الجنرالات. لقد كان «غزيل» أحد مهندسي عملية سيطرة العصابة على منابع الثروة الوطنية في الجزائر وتحويلها إلى حسابهم حسب الولاءات.
ظهر دور «غزيل»، كما يقول هشام عبود، في أكتوبر سنة 1980 في عملية حصار مدينة الشلف.
وقبل أن نفصل في الممارسات التي تورط فيها، يكفي أن نعلم أنه غادر الحياة السياسية والعامة سنة 1999 بعد أن كان يشغل منصب قيادة الدرك الوطني، وهو منصب غاية في الأهمية والحساسية. وتحدث الجزائريون عن مصير غامض لهذا الرجل الذي كان مؤثرا جدا في المشهد السياسي والأمني والعسكري. وقبل أن يتمادى المتحمسون في نشر إشاعات عن انتقام النظام منه، عاد ليظهر من جديد سنة 2001 إلى جانب محمد العماري، وبعدها تم تعيينه مستشارا لعبد العزيز بوتفليقة، ليتأكد للجميع أن العصابة لم تكن لتضعف نهائيا، وأن رؤوسها لا تذهب إلى الظل إلا لكي تعود أكثر قوة إلى الواجهة.
قصة «غزيل» مثيرة للغاية، وبدا واضحا أن هشام عبود في هذه المذكرات أراد تسليط الضوء عليه بشكل خاص، وبصورة مركزة، نظرا للأهمية التي كان يشغلها خلال أحداث الثمانينيات والتي لا يزال الجزائريون يحملون آثار ندوبها وجراحها إلى اليوم.
ولكي يقربنا هشام عبود من شخصية «غزيل»، يقول: «في أحد الأيام، بعد أن قضى أزيد من ساعتين جالسا إلى طاولة، كان يحتاج إلى مشاهدة التلفزيون. وهكذا توجه بالخطاب إلى ليوتنان شاب في المفوضية السياسية، وهو سويدة عيسى، وخاطبه بصوته الصخري الأجش: «هيه! أنت، اذهب وأحضر لي جهاز تلفزيون».
كانت تلك طريقته في الحديث مع عسكري برتبة «ليوتنان». فما بالك بعامة الشعب.