التعليم وقضايا مغيبة
وضعت معركة قانون التعليم أوزارها السياسية والإعلامية بكسب مصادقة الغرفة الأولى، دون أن تخوض الطبقة البرلمانية في جوهر الأعطاب الكبيرة التي تؤرق منظومتنا التعليمية، والتي ظلت عصية على الإصلاح منذ أكثر من نصف قرن. ولأننا ابتلانا الله بقادة سياسيين يستغلون أي شيء لممارسة هوايتهم في الركوب السياسي وتصفية الحسابات، فإن قانون التعليم لم يخرج عن هاته القاعدة التي جعلت من التناوب اللغوي جوهر القانون والمحدد لمصيره، بينما غيب النقاش حول القضايا الجوهرية التي تحتاج إلى أجوبة مقنعة لبناء مدرسة المستقبل، وفي مقدمتها الضمانات التي ستوفرها الدولة لضمان المجانية في التعليم العمومي في جميع أسلاكه وتخصصاته. لا أحد من السادة ممثلي الأمة طالب بوصفة الحكومة حول استراتيجيتها لمحاربة الهدر والانقطاع المدرسيين اللذين يرميان سنويا إلى مستنقع الشارع أكثر من نصف مليون تلميذ وطالب. وفي اللحظة التي غرق فيها الحزب الحاكم في نقاش عقيم حول لغة التدريس وأوهام اللوبي الفرنسي، كان ثلاثة ملايين مغربي يعانون من إعاقة ينتظرون أجوبة حقيقية حول مداخل تعليم كريم ومنتج للأطفال والطلبة في وضعية إعاقة، أو ذوي الاحتياجات الخاصة.
وبدون شك، وفي غمرة حرب سياسية لربح بعض النقاط، غاب النقاش حول عمل خطة تجديد وملاءمة المناهج والبرامج والتكوينات والمقاربات البيداغوجية المتعلقة بها وإلزام مؤسسات التربية والتعليم والتكوين التابعة للقطاع الخاص، بمبادئ المرفق العمومي.
وقبل كل هذا وذاك، كيف باستطاعة بلدنا تكوين نصف مليون من الموارد البشرية في ظل نزيف المعاشات الذي يجبر الإدارة التربوية على فقدان أكثر من 10 آلاف رجل تعليم سنويا، في ظل غياب نظام لتحفيز وتشجيع الأطر التربوية والإدارية على ممارسة مهامها بالأوساط القروية والمناطق ذات الخصاص.
وبدا واضحا، خلال مناقشة القانون الإطار المتعلق بالتعليم، أن خيار الجهوية مجرد وهم دستوري، فلا أحد من نواب الأمة قدم رؤية حول تطوير حكامة المنظومة في أفق الجهوية المتقدمة، من خلال تعزيز سياسة اللامركزية واللاتمركز في تدبير المنظومة، ونقل الصلاحيات اللازمة لتسيير مرافقها، كما ينص على ذلك الدستور والقانون التنظيمي للجهوية.
بيد أن أكبر القضايا المغيبة عن النقاش السياسي والبرلماني، كلفة الإصلاح التي تتطلب ميزانية تتجاوز 30 ألف مليار سنتيم إلى حدود 2030، منها 17 ألف مليار سنتيم تهم قطاع التربية الوطنية، و14 مليارا تهم إصلاح التكوين المهني، أي أن الحكومة مجبرة على البحث عن تكاليف إضافية تتجاوز 1900 مليار سنتيم سنويا.
بكل صراحة، لم تكن الطبقة السياسية في مستوى نقاش قانون استراتيجي للدولة خلال عقدها الأخير، وانشغل أمثال بنكيران ورموز حركته الدعوية بفتات الإصلاح بينما دفعوا الجميع إلى تغييب جوهر الإصلاح عن النقاش العمومي.