التعليم أولا وأخيرا
لا تنمية ولا ديمقراطية ولا سلم اجتماعي، ولا برنامج حكومي ولا نموذج تنموي ولا جدوى من الانتخابات، إلا بإصلاح التعليم، فالتعليم هو قلب التنمية السياسية والاقتصادية بمفهومهما الشامل وأساسهما الذى لا يتحققان بدونه.. هذه حقيقة يقينية لا يماري فيها منصف، وباختصار فإن نجاح بلدنا يعتمد كثيرا على نجاح النظام التعليمي وفشلها رهين بفشله.
المثير للانتباه أن الجميع يعترف بالوضعية الكارثية للتعليم في كل مستوياته، وهي نتاج طبيعي لـ«بريكولات» إصلاح الإصلاح التي اتبعت خلال السنوات الماضية، وبعضها كان تنفيذا لأجندات بعيدة كل البعد عن الأولويات الوطنية والاجتماعية، ولا نريد أن نعيد السيناريو نفسه مرة أخرى، لكن لا شيء تحقق لتغيير هذا الواقع المأساوي.
وبدل أن تدخل الحكومات مباشرة في تنزيل الإصلاح ظلت رهينة الحديث عن الإصلاح، ويكفي أن نعود إلى العقد الأخير للوقوف على حجم الهدر الزمني الذي رافق إصلاح التعليم. ففي 10 أكتوبر 2014 كلف الملك محمد السادس المجلس الأعلى للتربية والتكوين بإعداد خريطة طريق كفيلة بإصلاح المدرسة الوطنية، وفي 20 ماي 2015 أعلن المجلس عن الرؤية الاستراتيجية 2015-2025 لإصلاح التعليم، وفي شهر يوليوز من نفس السنة سيعطي الملك تعليماته للحكومة من أجل إعداد القانون الإطار لتنزيل الرؤية الاستراتيجية، وانتظرنا أكثر من ثلاث سنوات لتحيل الحكومة القانون على البرلمان في غشت 2018، وتسبب البوليميك السياسي في بقاء القانون بالبرلمان لأكثر من سنة قبل أن يتم التصويت عليه بشكل نهائي في يوليوز 2019. بعد ذلك ستبقى الرؤية الاستراتيجية معلقة سنتين إضافيتين إلى حين انتهاء لجنة النموذج التنموي من إعداد تقريرها حول وضعية التعليم وتقدم خلاصاتها حول المنظومة التعليمية في 2021.
نذكر بهذا المسار الطويل لنحذر من مزيد من هدر الزمن العمومي في إصلاح التعليم، فقد ظهر جليا أنه منذ 2014 إلى اليوم نعيش على مستوى إنتاج خطاب الإصلاح، ولم ندخل بعد إلى مرحلة تنزيل تفاصيل الإصلاح التي يقطن بها الشيطان. والغريب أن زمن نوايا الإصلاح لا زال ممتدا وليست هناك مؤشرات جدية عن دخول الإصلاح حيز النفاذ.
ولكي لا نخسر معركة إصلاح منظومة التعليم وهي في مهدها، لا بد أن نقطع مع وجوه الماضي التي عمرت طويلا حتى بدأ يترسخ في الأذهان أنها عنوان للفشل، فمن العسير أن نصلح بأدوات فاشلة وفاسدة، فلا يمكن للمغاربة أن يثقوا في الإصلاح الموعود لشكيب بنموسى وهم يرون أن من قادوا المنظومة التعليمية إلى الخراب بالأمس هم من يتربعون اليوم على صهوة الإصلاح، فأي إصلاح يمكن أن تحمله وجوهٌ تدبيرية خائبة وأفرادٌ أثبتوا لولايات متعددة سوء الإدارة؟.. فمَن جرّبَ حظّه لسنواتٍ خائبات، لا يُمكن ائتمانُه ثالثةً ورابعةً أو كلّما حلمنا بالإصلاح.