شوف تشوف

الرأيرياضة

التذكرة العجيبة

حسن البصري

تناول أيوب وجبة السحور وغادر البيت بحثا عن تذكرة تمكنه من ولوج ملعب محمد الخامس، والاستمتاع بمشاهدة مباراة تجمع فريقه الرجاء بالأهلي المصري. التقى برفاق دربه وشدوا الرحال إلى نقاط بيع التذاكر، والليل ما زال يسدل ستائره.

احتشد الفتى وأقرانه في طابور طويل أمام محل مخصص لبيع التذاكر وتيسير خدمات الشراء، وشرعوا في قراءة كف المباراة وتقييم أداء اللاعبين والمدربين والحكام، في محاولة لتذويب روتين الانتظار الطويل.

وجد أيوب نفسه في مقدمة طابور لا أحد فيه يعلم متى يفتح باب المحل ومتى يغلق، قبل أن يصبح للطابور قوة عمومية تحميه من الاختناق، وتمنع تسلل اللاهثين وراء تذكرة سفر إلى الملعب.

مرت الدقائق دون أن يفتح المحل بابه، تبين أن صاحبه اختار مبدأ الأمان، وقرر تمديد الإغلاق خوفا من جماهير في حالة تأهب قصوى، ولها استعداد فطري لبذل الغالي والنفيس من أجل تذكرة.

كان أيوب يبحث بالأمس عن تذكرة سفر يصعد بها فوق صهوة باخرة لا ترسو إلا في مرافئ أحلامه بالمهجر، قبل أن يحلم بتذكرة لولوج مدرجات ملعب، يا صبر أيوب في طابور طويل عرقل حركة السير، وملأ الفضاء بصفير بوليس المرور.

تحركت الهواتف بين الطوابير وأبلغ طابور سباتة نظيره في سيدي عثمان بحالة التعثر، ونقلت منصات التواصل الاجتماعي مشاهد الاختناق، وأصبح البحث عن تذكرة حلما يتراقص أمام عيون الحالمين بأمسية كروية، في العشر الأواخر من شهر رمضان.

خوفا من تداعيات الازدحام ظلت نقاط بيع التذاكر في حالة إغلاق، وأصبح العثور على هاتف صاحب المحل أشبه بالحصول على تذكرة، قبل أن تعلن عمدة المدينة فض الطوابير وتسريح العالقين فيها، والعودة إلى التذكرة الإلكترونية. تفرق الجمع وقرر أيوب ورفاقه استكمال رحلة البحث عن التذكرة الملعونة، رغم المخاوف من استنساخها وتزويرها والعبث بملامحها.

ظل البحث جاريا عن تأشيرة العبور إلى المدرجات، إلى أن أعلن عن أذان المغرب، حسب توقيت الدار البيضاء والنواحي، عاد أيوب ورفاقه إلى بيوتهم سالمين غير غانمين، وقرروا استكمال الرحلة بعد الإفطار.

ولأن الشعب المغربي عاشق لكرة القدم منتصرا كان أو مهزوما، فإنه يبدي استعدادا لاقتناء تذاكر المباريات مهما ارتفع سعرها، ويسترخص المال من أجل فرجة لا تكتمل إلا إذا عزفت حولها قوافي شعراء الملاعب.

تضاربت البيانات بين بيان «كازا إيفنت» وتغريدة العمدة وقرار الوالي وبلاغ الرجاء الرياضي، وتبين أن أزمة التذاكر في الدار البيضاء أهم بكثير من أزمة اختناق شرايين العاصمة الاقتصادية، ومن صعوبة الوصول إلى ملعب، ينصح بالمجيء إليه خمس ساعات قبل انطلاق المباريات ذات الضغط العالي.

من يملك التذكرة يملك مفاتيح الانتصار، هكذا يبدو للمشجع الأعزل، الذي يجد سعادته في العثور على مقعد في المدرجات، ليؤرخ للحدث بـ«سيلفي» يعلن فيه الفوز بموطئ قدم في الملعب، قبل فوز فريقه بالمباراة.

لكن ما يخشاه القائمون على الفرجة الكروية هو أن يرتفع عدد منتحلي صفة المشجعين، ويصطف في الطوابير رجال أشداء ورثوا مهنة تجارة التذاكر في السوق السوداء أبا عن جد، وروضوا أبناءهم على البيع في صفحات تجارة التذاكر، في منصات التواصل يعلنون عن الكميات المتاحة لديهم من التذاكر، وأسعار البيع المطلوبة، وتقديم نصائح لمن يلهث خلف صكوك الفرجة.

ولأن التجارة الإلكترونية مربحة حين يتعلق الأمر بتذكرة ملعب، فإن عددا كبيرا من تجار الساندويشات ولوازم التشجيع، قد تفرغوا اليوم لتجارة التذاكر، سيما حين يتضاعف السعر خلال المباريات الحاسمة، ويصبح الغلاء أمرا مقبولا.

يتسلل الفكر الوجودي إلى الطوابير، ويصبح مالك التذكرة مهما كان تصنيفها بطلا، تحفه نظرات الإعجاب من حوله، وهو يردد في قرارة نفسه: «أنا حاصل على التذكرة، إذن أنا موجود». 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى