محمد اليوبي
قرر مجلس المنافسة، باقتراح من مقرره العام بالنيابة، فتح مسطرة تحقيق بخصوص بعض الممارسات التجارية التعريفية وغير التعريفية التي تشهدها سوق الأعلاف المركبة الموجهة لقطاع الدواجن والأسواق الأخرى ذات الصلة، وذلك على ضوء الخلاصات المنبثقة عن رأي مجلس المنافسة رقم ر/3/24 المؤرخ في 26 شتنبر 2024 والمتعلق بوضعية المنافسة في سوق الأعلاف المركبة بالمغرب.
وسجل رأي مجلس المنافسة وجود نسبة تركيز عالية في سوق الأعلاف المركبة الموجهة لقطاع الدواجن، وكشف عن العديد من الاختلالات التنافسية التي تعرفها هذه السوق وكذا الأسواق الأخرى ذات الصلة، سيما سوق الكتاكيت، حيث تشكل نسبة هاتين المادتين نحو 75 في المائة من سعر تكلفة دجاج اللحم، وبالتالي تؤثران على سعر بيعه. ويندرج قرار اتخاذ هذه المبادرة في إطار ممارسة مجلس المنافسة لمهامه وصلاحياته الدستورية والقانونية الرامية إلى تنظيم المنافسة في الأسواق وحماية مصالح المستهلكين، خاصة في ما يتعلق بالسلع الأساسية التي تنعكس بشكل كبير على قدرتهم الشرائية.
وكشف رأي المجلس وجود هشاشة في قطاع تربية الدواجن بالمغرب، مشيرا إلى أن هذا القطاع يضطلع بدور هام في الاقتصاد الفلاحي الوطني، غير أنه يظل غير مهيكل، ويعاني من ضعف الولوج إلى التمويلات البنكية، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل، فيما تواصل عدة إشكاليات التأثير على القطاع، سيما في جانبه البعدي، كما تشكل سوق الدواجن الحية عقبة أمام اندماج مختلف مكونات سلسلة القيمة.
ووفقا للمجلس الأعلى للحسابات، يتم تسويق نحو 90 في المائة من لحوم الدواجن الحية عبر المذابح التقليدية (الرياشات)، والتي يقدر عددها بـ 15 ألفا. بالموازاة، يعاني القطاع من تدخل الوسطاء ومزاولة النشاط من طرف وحدات غير مهيكلة وغير مرخص لها. وأشار التقرير إلى معضلة أخرى هامة يتخبط فيها القطاع وتتعلق بحجم الاستغلاليات المعدة لتربية دجاج اللحم بالخصوص، إذ تتوفر أزيد من 60 في المائة منها على قدرات تعادل أو تفوق عشرة آلاف رأس.
وعلى ضوء هذه الوضعية، يضيف التقرير، يظهر أن التقلبات الحالية تزداد حدتها بسبب الظروف التجارية التي تفرضها شركات تصنيع الأعلاف المركبة، وفي غالب الأحوال، تمتد آجال الأداء الممنوحة لمربي القطاع من لدن هذه الشركات لفترات طويلة، متسببة في تدهور وضعيتهم المالية، ويضطرون، في كثير من الأحيان، إلى قبول شروط غير مواتية للاستفادة من القروض والاستمرار في الإنتاج، ويحد الاعتماد على القروض، الممنوحة من لدن الموردين، من قدراتهم على تدبير مواردهم المالية بفعالية، وعلى الاستثمار في تنفيذ تدابير التحسين الضرورية لتعزيز القدرات التنافسية للقطاع والرفع من مردوديته.
وأكد التقرير أن سوق تصنيع الأعلاف المركبة بالمغرب تتسم بنسبة عالية من التركيز، إذ يستحوذ عليها عدد قليل من الشركات الكبرى بالرغم من وجود 48 شركة فاعلة تمارس أنشطتها داخل هذه السوق، حيث تستفرد ثماني شركات فقط بنحو 75 في المائة من حصص السوق، فيما تبلغ حصة المجموعتين الرئيسيتين الفاعلتين في المجال نسبة 50 في المائة تقريبا.
وأبرز التقرير أن هذه الوضعية تعد نتيجة لإعادة هيكلة السوق، حيث توقفت عدة شركات عن مزاولة أنشطتها على مر السنوات منذ إحداث شركات الأعلاف الأولى في الأربعينات وإلى حدود اليوم، بالمقابل، أنجزت شركات أخرى عمليات تركيز اقتصادي من أجل الاستفادة من وفورات الحجم الكبيرة. ومن جهة أخرى، تتضاءل إمكانيات التنويع والابتكار في السوق بسبب هيمنة بعض الفاعلين الرئيسيين، وينعكس ذلك سلبا على مربي الماشية باعتبارهم أبرز مستهلكي الأعلاف المركبة، إضافة إلى ذلك، يؤدي تركز السوق في يد عدد محدود من الموردين إلى تقليص الخيارات المتاحة وتطبيق أسعار أقل تنافسية.
وأبرز التقرير أن الاندماج العمودي لأبرز الشركات النشطة في سوق تصنيع الأعلاف المركبة يشكل سمة بارزة لهذه السوق في المغرب، إذ يتيح الاندماج القوي لأكبر الشركات التحكم في عمليات استيراد الحبوب على المستوى القبلي، والتحكم كذلك في وحدات التحضين على المستوى البعدي، علاوة على عملية الذبح الصناعي، كما يمكنها من ضبط الإمدادات بالمواد الأولية ومنافذها، مستفيدة بذلك من ميزة تنافسية هامة.
ومن الناحية الاقتصادية، كشف المجلس عدة عوامل تفسر ظاهرة الاندماج العمودي، نذكر منها، أولا، أنه يتيح للشركات تقليص تكاليف المعاملات في مختلف مراحل سلسلة التموين عبر التحكم في كافة مكونات سلسلة الإنتاج، ما يساهم في تقليص تكاليف النقل وهوامش ربح الوسطاء، وضمان التنسيق اللوجستي على نحو أنسب.
وتحتكم الشركات أساسا إلى الظروف التجارية لضمان وفاء العملاء المتعاملين معها، وفي هذا الصدد، تقوم شركات تصنيع الأعلاف المركبة باستقطاب مربي الماشية والاستمرار في التعامل معهم عبر مدهم بتسهيلات في الأداء تكون محفزة، وتعد هذه التسهيلات، التي يوفرها الموردون أنفسهم في غالب الأحوال، على شكل قروض قصيرة الأمد مقابل إيداع شيكات ضمان، عرفا متداولا في بيئة يتعرض فيها مربو الماشية إلى صعوبات تمويلية من حين لآخر، لذلك، تتيح لهم هذه التسهيلات تدبير مواردهم المالية بفعالية أكبر ومواصلة الإنتاج دون انقطاع، بصرف النظر عن الإكراهات المالية، وتصطدم فئة المربين صغيرة ومتوسطة الحجم بالخصوص بتحديات مالية كبيرة، حيث تواجه صعوبة في الاستثمار في مواد خام عالية الجودة بسبب محدودية الولوج إلى القروض البنكية التقليدية وتقلبات المداخيل الفلاحية، ما يكرس رهن مربي الماشية بالشركات المذكورة، التي تضطلع بدور الموردين ومقدمي التمويل المؤقت في آن واحد.