البيض هو الحل..
يونس جنوحي
ربما يكون الموسم التعليمي الحالي، أكثر المواسم فوضوية وعشوائية. أصوات تطالب برحيل وزير التعليم، وقبله كانت أصوات طالبت برحيل الداودي من التعليم العالي بسبب أزمة المعاهد العليا التي أخرت قبل عامين انطلاق الموسم الدراسي في كبريات المعاهد التي لا يلتحق بها إلا نخبة المتفوقين دراسيا في البلاد.
مشكل الأساتذة المتعاقدين عرّى عجز الحكومة. رئيسها يخرج ليدافع عن إنجازات لا يراها أحد ويتهمنا بالتيئيس والشيطنة، ويلقي مرافعات في البرلمان عن وفرة البيض والدواجن، بينما المشاكل الحقيقية التي تحتاج منه حزما في المعالجة، لا يتم التطرق إليها إلا لماما.
التعنت الذي ووجه به الملف منذ البداية كان سببا في سقوط ضحايا في صفوف هؤلاء المتعاقدين. صحيح أن هناك ملاحظات كثيرة بشأن جودة التعليم، لكن أيضا لا يجب إغفال الجانب الإنساني لهذه الشريحة من أبناء المغاربة.
آخر التطورات في الملف، بعد خمود نسبي، هي سقوط والد إحدى المتعاقدات، عُرف في صفوف الشباب بنضاله في المجال الاجتماعي وتقدمه لمسيرات المطالبة بإنصاف آلاف الشباب وإدماجهم.
شعور بالمرارة على القيمة الحقيقية للمواطن في المخططات الحكومية. وليست هذه المرة الأولى التي يتضح فيها هذا الأمر بجلاء، فقد سبق أن وقعت عرقلة كبيرة أثناء اقتراح وزراء هذه الحكومة، وتم إبعاد رئيسها بعد مهلة فشل خلالها في إخراج لائحة، وتم تعويضه بالعثماني الذي لم يُقنع حتى أبناء حزبه، ولا زال إلى اليوم يخوض حربا ضد التيار الذي يشيطن وصوله إلى كرسي رئاسة الحكومة.
الخيط الذي يحرك كل هذه «الشطحات» هو تضارب المصالح. تيارات داخل الحزب الحاكم المسؤول اليوم عن مأساة عدد من المغاربة، ترغب في الوصول إلى مناصب المسؤولية حتى لو كان الأمر عبر معارك لتكسير العظام.
اتخذ الحزب إلى اليوم مواقف متضاربة تماما..، مرة يدعم نزاهة القضاء ويُشيد بها، عندما يتعلق الأمر بقضايا لا تمسه داخليا. وعندما تعلق الأمر بواحد من أعضاء الخط الأمامي، قامت ثورة داخلية ضد جهاز القضاء ولجأ قياديوه من جديد إلى شيطنة الدولة.
الاستثمار في القطاع الخاص، هو الذي أوصل القطاع العام إلى الحضيض..، ليس في التعليم فقط، وإنما أيضا في قطاع الصحة.
في الدول التي تحترم نفسها، تضع الدولة شروطا تعجيزية أمام المؤسسات الخاصة ولا تمنحها التراخيص بسهولة وتضع أمامها دفاتر تحملات للنهوض بجودة خدماتها وتتحكم في برامجها لكي تكون بنفس جودة القطاع العام.
أما عندنا في المغرب، فأطر القطاع الخاص، في قطاع التعليم، أغلبهم لم يستطيعوا أصلا اجتياز مباريات الوظيفة العمومية. أي أن القطاع الخاص اليوم في مُجمله يستعين بأطر لم تقبل الدولة تكوينها رسميا للاضطلاع بأمانة تدريس أبناء المغاربة.
وفي قطاع الصحة، ترحل الكفاءات الطبية نحو القطاع الخاص بفضل الإغراءات، وهو ما جعل المستشفيات العمومية تتحول إلى حدائق تتجول فيها القطط التي تعيش على القطن وبقايا العمليات الجراحية.
مشكلة التعليم في المغرب تحتاج إلى نقاش حقيقي، ليس حول التعريب أو الفرنسة التي استُغلت انتخابيا من طرف الأحزاب، وإنما حول النهوض أولا بجودة التعليم وإخراجه من عُنق الزجاجة.
المدرسة العمومية لا تزال بخير. وبعد شهر من اليوم سوف ترون كيف أن أبناء الفقراء المغاربة سينجحون في الالتحاق بسهولة بكبريات المعاهد الأجنبية خارج المغرب، وسيفوزون بمنح سخية لمواصلة التعليم العالي بالخارج، ويحق للمدرسة العمومية، أو ما تبقى منها، أن تفتخر بهم، وتوجه صفعة إلى عصابات التعليم الخاص حتى يتوقف خطاب تبخيس المدرسة العمومية وكفاءاتها.
ما نحتاجه اليوم هو إعادة الاعتبار لميزانية التعليم. لماذا تلجأ الدولة إلى التوظيف بالتعاقد والتعليم العمومي يعاني من خصاص مهول في الأطر. بدل الرفع من جودة الالتحاق بالوظيفة العمومية والتشديد في امتحانات الانتقاء الأولي، تلجأ الدولة إلى خطوة غير محسوبة ومتهورة تتمثل في التوظيف بالتعاقد، وهكذا توجه ضربتين للجميع. ضربة للتعليم لأنها تزيد من إغراقه في الوحل، وضربة أخرى إلى أبناء المغاربة وإقناعهم بأن الحل الوحيد المتبقي هو الرحيل، وترك العثماني وحيدا في المغرب يراقب المصباح و»الساروت»، ويتناول وجبة شهية من البيض.
وحتى اختيار الرحيل يحتاج إلى إعادة نظر، ما دامت السفارات والقنصليات الأوربية، أغلقت أغلبها مواعد طلبات الحصول على التأشيرة في وجه المغاربة. وهذا موضوع آخر.