شوف تشوف

الرئيسيةالملف السياسي

«البيجيدي» في مواجهة القضاة

انقلاب على استقلالية القضاء

تقلالية القضاء

عاد الجدل مجددا حول موضوع استقلالية السلطة القضائية، بالتزامن مع قرار قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بفاس، متابعة عبد العالي حامي الدين، المستشار البرلماني والقيادي بحزب العدالة والتنمية، بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، من طرف قاضي التحقيق لدى محكمة الاستئناف بفاس، وذلك طبقا للفصول 128 و392 و393 و394 و395 من القانون الجنائي، حيث سيحال على غرفة الجنايات بالمحكمة نفسها، التي ستعقد أول جلسة لمحاكمة المتهم يوم 25 دجنبر الجاري، وهو ما أثار حفيظة حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة، من خلال شنه لحملة هجومية على القضاء والقضاة.

إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي

تتلخص وقائع القضية، حسب الشكاية المباشرة التي تقدم بها الطرف المشتكي بواسطة دفاعه، والتي يعرض من خلالها أنه خلال شهر فبراير من سنة 1993 عاشت جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس أحداثا دامية أسفرت عن مقتل الطالب أيت الجيد بنعيسى، أنجزت خلالها الضابطة القضائية محضرين في الموضوع، الأول تحت عدد 296 بتاريخ فاتح مارس 1993، والثاني تحت عدد 4789 بتاريخ 15 أبريل من السنة نفسها. ويستفاد من المحضر الأول أنه بتاريخ 25 فبراير 1993، وبينما كان الهالك رفقة زميله المسمى الخمار الحديوي يستقلان سيارة أجرة في اتجاه حي ليراك، وبالقرب من معمل «كوكا كولا» بالحي الصناعي سيدي ابراهيم، اعترض سير السيارة مجموعة من الطلبة أرغموا السائق على التوقف بالقوة وعمدوا إلى إخراجهما منها وانهالوا عليهما بالضرب والجرح بواسطة الأسلحة البيضاء، حيث توزعوا إلى مجموعتين تكلفت واحدة بالخمار الحديوي، حيث أشبعوه ضربا وجرحا أصيب إثرها بإصابات خطيرة، فيما تكلفت المجموعة الأخرى بالضحية الهالك، محمد أيت الجيد بنعيسى، والذي بعد أن أشبعوه ضربا وجرحا أسقطوه أرضا وأخذوا صخرة كبيرة وانهالوا على رأسه ليفارق الحياة بالمستشفى حيث وافته المنية يوم فاتح مارس من السنة نفسها بمستشفى الغساني بفاس، وأن هذه الوقائع حدثت بحضور الشاهد الخمار الحديوي الذي كان يرافق الضحية وقتها، والذي استطاع أن يتعرف على الأشخاص الذين قاموا بالاعتداء على الضحية بأسمائهم وصفاتهم، وما قام به كل واحد منهم خلال تصفية الهالك وقتله بشكل متعمد، بينهم عبد العالي حامي الدين، الذي اتهمته الشكاية بوضع رجله على رأس الهالك، واعتبرت أن هذا الفعل يشكل جناية القتل العمد، وهو وصف أشد يستلزم فتح تحقيق لظهور أدلة جديدة تثبته، ولم يسبق أن حوكم من أجله المتهم بمقتضى القرار الصادر في حقه في الملف عدد 229- 1993، والذي كان موضوع متابعة من أجل المساهمة في مشاجرة أدت إلى وفاة.
وبناء على ملتمس الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بفاس، تم إجراء تحقيق إعدادي، حيث تقدم دفاع حامي الدين بمذكرة ترمي إلى الأمر بعدم قبول الشكاية المباشرة في إطار المادة 94 من قانون المسطرة الجنائية، والتي تنص على سقوط الدعوى العمومية بموت الشخص المتابع، وبالتقادم وبالعفو الشامل وبنسخ المقتضيات الجنائية التي تجرم الفعل، وبصدور مقرر اكتسب قوة الشيء المقضي به. وأشارت المذكرة إلى أن الوقائع نفسها موضوع الشكاية والأفعال المكونة لها، سبق أن كانت موضوع بحث تمهيدي مفصل أنجز بشأنه محضر للشرطة، حيث تمت إدانته بسنتين حبسا نافذا. كما أن الوكيل العام للملك لدى المحكمة نفسها سبق أن تلقى شكاية عادية حول الوقائع ذاتها وأصدر تبعا لذلك قرارا بالحفظ، نظرا لسبقية البت في القضية بمقتضى قرار قضائي.
والتمس الوكيل العام للملك بعدم قبول الملتمس الذي تقدم به دفاع حامي الدين، والرامي إلى عدم قبول الشكاية المباشرة، لعدم ارتكازه على أساس قانوني، لكون الشكاية المباشرة فتح التحقيق بشأنها، وأن الطلب أصبح غير ذي موضوع، ثم الدفع بسبقية البت سابق لأوانه إلى حين استكمال إجراءات التحقيق.
وبناء على قرار قاضي التحقيق، تقرر قبول الشكاية المباشرة، وأثناء استنطاق حامي الدين أكد أنه بالنسبة إليه الملف منته والتزم بالصمت بخصوص التهمة الموجه إليه، ورفض الجواب عن أسئلة دفاع عائلة أيت الجيد.

الهجوم على القضاء
استبشر المغاربة خيرا بتعزيز استقلالية السلطة القضائية، بفصل جهاز النيابة العامة عن وزارة العدل، تفاديا لأي استغلال سياسي لهذا الجهاز. لكن هناك من يريد العودة بالمغرب إلى الوراء، من خلال توظيف مؤسسة القضاء في تصفية الحسابات السياسية، أو التأثير على ملفات مازالت تروج أمام القضاء، الذي لم يقل فيها كلمته النهائية. واتضح ذلك بشكل جلي، عندما هاجم وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، مصطفى الرميد، السلطة القضائية، وشكك في استقلاليتها، في رده على قرار متابعة حامي الدين، كما حضر سابقا، إلى جانب وزراء من حزب العدالة والتنمية، لأشغال ندوة صحفية عقدها عبد العالي حامي الدين، حول اتهامه في ملف مقتل الطالب القاعدي، محمد أيت الجيد بنعيسي، بجامعة فاس، في مواجهات دامية بين الطلبة اليساريين والإسلاميين، رغم أن الملف كان مازال معروضا على أنظار قاضي التحقيق. وبذلك يظهر أن حزب العدالة والتنمية يستغل وضعه على رأس السلطة التنفيذية للتأثير على القضاء باعتباره سلطة مستقلة، وبدأت تنكشف خلفيات اعتراضه تحت قبة البرلمان على الاستقلالية التامة للنيابة العامة عن سلطة وزير العدل، دون الحديث عن استغلال بعض قيادات الحزب لمواقعها في مناصب حكومية عليا، لتحقير القضاء، إما بعدم تنفيذ أحكام قضائية أو رفض المثول أمام المحاكم في ملفات رائجة.
كما يستغل فريق حزب العدالة والتنمية، المؤسسة البرلمانية للضغط على القضاء، من خلال إثارة ملفات مازالت معروضة على المحاكم. فمن بين حوالي 40 ألف معتقل يوجدون رهن الاعتقال الاحتياطي، اختار عبد العالي حامي الدين، المستشار البرلماني عن الحزب الحاكم، إثارة ملف توفيق بوعشرين، المحكوم عليه بـ 12 سنة سجنا نافذا في قضية الاعتداء الجنسي على مجموعة من النساء والاتجار في البشر، وذلك خلال اجتماع لجنة العدل والتشريع بمجلس المستشارين، أثناء مناقشة الميزانية الفرعية للوزارة، بحضور الوزير، محمد أوجار. كما أن زوجة حامي الدين، بثينة قروري، بدورها، تستغل أي مناسبة بمجلس النواب سواء داخل اللجان البرلمانية أو في الجلسات العامة، لإثارة هذا الملف، بحكم «العلاقة» التي تجمعها رفقة زوجها مع بوعشرين. كما استغل إدريس الأزمي، رئيس فريق «البيجيدي» بمجلس النواب، الجلسة المنعقدة الأسبوع الماضي، لإثارة قضية حامي الدين، ووجه سؤالا مباشرا إلى وزير العدل قائلا إن «البيجيدي» اندهش من متابعة حامي الدين الذي سبق وحوكم في الملف بشكل نهائي، ومر بجميع مراحل التقاضي، وبتت فيه أيضا هيئة الإنصاف والمصالحة. كما اعتبر نبيل الشيخي، رئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس المستشارين، أن قرار قاضي التحقيق لدى محكمة الاستئناف بفاس بمتابعة عبد العالي حامي الدين، المستشار البرلماني، من أجل جناية المساهمة في القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد وإحالته على غرفة الجنايات بنفس المحكمة، «تشم منه رائحة تصفية الحسابات البعيدة عن تطبيق المقتضيات القانونية والدستورية».

جدل استقلالية القضاء
بدأت تظهر ملامح انقلاب نواب حزب العدالة والتنمية ضد استقلالية النيابة العامة، خلال مناقشة الميزانية الفرعية للمجلس الأعلى للسلطة القضائية أمام لجنة العدل والتشريع، إثر تحالفهم مع نواب المعارضة، للمطالبة بحضور رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، مصطفى فارس، ورئيس جهاز النيابة العامة، محمد عبد النباوي، إلى البرلمان، لتقديم حصيلة وميزانية المجلس، بدلا عن وزير العدل، ولوحوا بإسقاط هذه الميزانية في حالة عدم حضورهما إلى اللجنة، بدعوى أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية ومعه النيابة العامة، أرسل تقريرا عن أنشطته دون حضور رئيسه إلى البرلمان لتقديم ميزانيته تحت إشراف السلطة الحكومية ممثلة في وزير العدل.
وكان محمد عبد النباوي، قد حسم الجدل بخصوص قانونية ودستورية مثوله أمام البرلمان، لمساءلته حول تنفيذ السياسة الجنائية، بعد استدعائه من طرف فريق العدالة والتنمية، عندما أكد، أثناء تقديمه لأول تقرير سنوي حول تنفيذ السياسة الجنائية وتطوير أداء النيابة العامة برسم سنة 2017، أن استقلال النيابة العامة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية أصبح أمرا دستوريا وقانونيا، زكاه قرار المجلس الدستوري رقم 16/991 الصادر بتاريخ 15 مارس 2016، بخصوص التقرير الذي يرفعه الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية، حيث إن الدستور لم يشترط عرض الوكيل العام للملك لتقريره أمام اللجنتين المكلفتين بالتشريع بمجلسي البرلمان. وبمفهوم المخالفة، فإن قيام رئيس النيابة العامة بتقديم التقرير أو حضوره لمناقشته أمام لجنتي البرلمان مخالف للدستور لأنه يمس بالاستقلالية. كما أكد المجلس الدستوري على أهمية مناقشة البرلمان تقرير رئيس النيابة العامة، باعتباره تقريرا يهم الشأن القضائي، مع إمكانية الأخذ بما ورد فيه من توصيات، في مراعاة لمبدأ فصل السلط، والاحترام الواجب للسلطة القضائية المستقلة.
ويستفاد من قرار المحكمة الدستورية، حسب التقرير، أن استقلال النيابة العامة لا يعني إفلاتها من المراقبة والمحاسبة، ذلك أنها تخضع لمراقبة القضاء بالنسبة للقرارات التي تتخذها، وكذا مراقبة المجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي تقدم له تقارير دورية بشأن تنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة. وأضاف قرار المحكمة الدستورية، أن رئيس النيابة العامة يظل مسؤولا عن كيفية تنفيذه للسياسة الجنائية، وذلك أساسا أمام السلطة التي عينته، والمتمثلة في رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وهو الملك محمد السادس.

تناقض مواقف «البيجيدي»
من بين النقط التي أثارت الجدل أثناء مناقشة القوانين المتعلقة بالسلطة القضائية، استقلالية النيابة العامة عن سلطة وزير العدل. وأثير هذا النقاش بقوة داخل البرلمان في بداية دراسة القوانين التنظيمية داخل لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، نتج عنه توقف أشغال اللجنة وانسحاب المعارضة منها، كما وصلت القوانين إلى الجلسة العامة من أجل المصادقة، وتمت إعادتها من جديد إلى اللجنة لإعادة دراستها والمصادقة عليها. واحتجت فرق المعارضة، وقتها، على عدم تجاوب الحكومة بشكل إيجابي مع التعديلات التي قدمتها على هذه القوانين، فيما فوجئ أعضاء اللجنة بتعديلات جديدة قدمها وزير العدل والحريات السابق، مصطفى الرميد، أثناء الاجتماع دون إطلاع المعارضة عليها، وهي تعديلات تتعلق باستقلالية السلطة القضائية واستقلالية النيابة العامة عن سلطة وزير العدل.
لكن نقطة الخلاف التي أثارت الجدل، هي عندما وصل النقاش إلى المادة 51 من القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والتي قدمت الأغلبية بشأنها تعديلا يقضي بمنح صلاحيات واسعة لوزير العدل، تسمح له بالتدخل في كل كبيرة وصغيرة ويتحكم في كل شيء ما يضرب في العمق مبدأ استقلالية السلطة القضائية. وبخصوص التعديل الذي اقترحته الأغلبية على المادة 51 من قانون المجلس الأعلى للسلطة القضائية، والذي اعتبرته المعارضة يضرب استقلالية السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية، ينص على إحداث هيئة مشتركة بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية والسلطة الحكومية المكلفة بالعدل، تتولى التنسيق في مجال الشؤون القضائية والإدارة القضائية، ووضع وتنفيذ السياسة الجنائية بما لا يتنافى واستقلال السلطتين عن بعضهما البعض، تعمل تحت إشراف كل من الرئيس المنتدب للمجلس والوزير المكلف بالعدل، كل في ما يخصه، بما لا يتنافى واستقلال السلطة القضائية. وعلاوة على ذلك، يمكن للمجلس، بمبادرة منه أو بناء على طلب الوزير، أن يوجه الدعوة إلى هذا الأخير لحضور اجتماعاته من أجل تقديم معلومات أو معطيات أو بيانات يطلبها المجلس، وتتعلق بالشؤون القضائية، والسياسة الجنائية للحكومة، والبرامج الحكومية وسياساتها الخاصة بقطاع العدل، بما لا يتنافى مع مبدأ فصل السلط واستقلالها. وينص التعديل على تسجيل طلب الوزير بالأولوية في جدول أعمال أقرب دورة للمجلس. وبررت الأغلبية هذا التعديل بأخذ الترتيبات التشريعية لضمان أكبر مستوى من التواصل والتنسيق بين السلطتين القضائية والتنفيذية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى