البعثات الدبلوماسية الجزائرية كانت دائما مكونة من مخبرين لصالح الجيش
يونس جنوحي
الحس الصحافي لهشام عبود كان حاضرا بقوة عندما كان مسؤولا في ديوان الجنرال بتشين.
فقد تمكن، من خلال اطلاعه اليومي على الوثائق الإدارية التي تصل إلى مكتب الجنرال، ومن خلال الاجتماعات مع مسؤولين عسكريين ومدنيين، من رصد ملف بمثابة قنبلة من العيار الثقيل.
يتعلق الأمر بتواطؤ مدروس بدقة بين جنرالات وضباط مرموقين في الجيش، وبين موظفين في الإدارات العمومية. لقد تشكلت عصابة قوية بعد يونيو 1992، بشكل أقوى من السابق.
علاقات مشبوهة
يقول هشام عبود إن هناك تواطؤا تكوّن بين ضباط الأمن العسكري تحديدا، وبين عملائهم المزروعين بعناية في المقاولات العمومية. كانت خطة ماكرة وخبيثة للسيطرة على الصفقات، وأيضا لجمع المعلومات عن المقاولين وبقية الموظفين العموميين الذين يشتغلون على التمويل ودراسة الملفات والميزانيات.
ينضاف إلى هذا أمر آخر يتعلق بمصالح وزارة الخارجية الجزائرية. إذ إن رجال الأمن العسكري تدخلوا في عمل موظفي إدارات وزارة الخارجية، أي القنصليات والسفارات، وزرعوا بدقة عملاءهم في التمثيليات الدبلوماسية وحتى البعثات لدى المنظمات الدولية الكبرى مثل الأمم المتحدة.
يحكي هشام عبود قائلا: «هناك قاعدة لا تزال تسري إلى اليوم. وتتلخص في قبول لعب دور الابتزاز لصالح الأباطرة. بطريقة أخرى، أن تقتسم أجرتك الشهرية مع الشخص الذي ساعدك على الوصول إلى منصب في السفارة أو داخل تمثيلية دبلوماسية للجزائر في الخارج.
لم يكن هذا هو الحال بالنسبة لـ«أمين بوركبة». طبيب، وصهر الرئيس السابق الشاذلي بن جديد. بوركبة عُين سنة 1990 في تمثيلية الجزائر باليونيسكو بباريس، حيث عوض الكوماندان مصباح، وهو أحد ألمع ضباط الأمن العسكري. بوركبة، الذي لم تكن له أية علاقة نهائيا بالأمن العسكري على المستوى المهني، كلف بمهمة تدبير مشاريع وأعمال أسرة الرئيس في فرنسا. ومنذ تعيينه في ذلك المنصب، لم يرسل نهائيا أي تقرير عن أعمال التمثيلية العامة».
رائحة حريق
كان دخان الفساد في الجزائر وفي سفاراتها في الخارج قد بدأ يتسلل من كل النوافذ. يقول هشام عبود إن الأمر لم يتوقف عند ذلك الحد، بل تعداه خصوصا بعد أن دخلت البلاد مرحلة العشرية السوداء.
في الشارع الجزائري، كانت عمليات الاغتيالات والتفجيرات والمذابح الجماعية على أشدها، بينما في الإدارات كان الجواسيس يُزرعون في كل مكان، وهو ما أدى إلى انكماش مهول في أعداد الموظفين الفعليين الذين يتحملون مسؤولية تدبير الملفات وإنجاز المعاملات الإدارية. إذ إن أغلبية الذين يوظفون في الوزارات لم يكونوا سوى جواسيس ينقلون الأخبار إلى ضباط الأمن العسكري.
هناك تفصيل مهم جدا في هذه النقطة، وهو أن التقارير من داخل الجزائر وخارجها، والتي يرسلها هؤلاء المخبرون الجدد، لم تكن أبدا تصل بأي شكل من الأشكال إلى المخابرات أو الأمن القومي الجزائري، وإنما حصريا إلى مؤسسة الأمن العسكري..، لأن الجنرالات وقتها كانوا يحكمون الجزائر أقوى من أي وقت مضى. وهكذا فقد كانت كل المؤسسات الأمنية خارج النطاق العسكري تعيش حالة ظلام دامس، ولا تتوفر على أي معطيات من أي نوع حول الأنشطة التي تمارس فوق التراب الجزائري.
فضيحة اشتغال صهر الرئيس الجزائري السابق الشاذلي بن جديد في بعثة اليونيسكو بباريس، دون أن يمارس أي نشاط يذكر، فجرها هشام عبود، في هذه المذكرات، وأثارت صدمة كبرى لدى جزائريي فرنسا.
وهذا الأمر يشرح كيف كانت قمم ومؤتمرات المنظمات الحقوقية الكبرى مثل المحكمة الدولية، تتحول إلى حملة ضد المغرب كلما حضرها الجانب الجزائري. إذ يكتشف الحاضرون أن الوفد المغربي المكون من متخصصين وحقوقيين، خصوصا في قمم النزاع في الصحراء وأوضاع حقوق الإنسان في المخيمات، يكون دائما في مواجهة وفد جزائري متعصب مكون من مخبرين بسحنات من المخابرات العسكرية تحاول استفزاز الوفد المغربي، وهو ما تكرر أكثر من مرة في لقاءات جنيف. وها هو الصحافي هشام عبود يؤكد بالأدلة أن البعثات الجزائرية كانت دائما مكونة من مخبرين يقتسمون أجرتهم الشهرية مع ضباط الجيش الذين زرعوهم في مناصب مماثلة، لعيش حياة الفنادق المصنفة والسفريات على حساب الجزائريين.