شوف تشوف

الافتتاحية

البديل الألماني

زيارة وزيرة الخارجية الألمانية إلى الرباط كانت ناجحة بكل المقاييس، لا من حيث توقيتها ولا من حيث مخرجاتها الديبلوماسية التي ثبتت الموقف الألماني المؤيد لمقترح الحكم الذاتي، وهي بهذا أعطت من جديد صدقية للمقولة المأثورة في الديبلوماسية والسياسة لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة، إنما المصالح هي الدائمة، فبعد برودة في العلاقات بين الرباط وبرلين جاء الدفء بعد الانعراجة التي وقعت في قرارها الديبلوماسي بشأن قضية وحدتنا الترابية.
والحقيقة أن المواقف الواضحة لسلطات برلين تجاه سيادتنا تجعل منها بديلا استراتيجيا موثوقا داخل الاتحاد الأوربي، ففي ظل تذبذب مواقف حليف تقليدي كفرنسا لا مناص – إذن- من تغيير وتنويع الحلفاء الاستراتيجيين لبلدنا، فالمنطق يقول إن علاقات بلدنا مع الحلفاء التقليديين ليست ضرعا أزليا سيمكن استحلابه طول السنين، فنظارة العلاقات الخارجية لبلدنا كما قال الملك محمد السادس في خطاب ثورة الملك والشعب هي المصالح الوطنية العليا، وبالتبعية ليس من الحكمة تأمين المستقبل الديبلوماسي لبلدنا على المدى المتوسط والبعيد فقط بتحالف مع فرنسا الغامضة، لأنه تحالف تقليدي بدأت تتآكل قيمته التاريخية والاستثمارية بمواقف باريس المزدوجة التي تريد زبدة المغرب وثمن الزبدة من الجزائر والانفصال.
إن ديبلوماسية الوضوح كما أصبح يتبناها المغرب، في جوهرها، صداقة وخصومة في وقت واحد، صداقة هنا في ضوء مصلحة عليا، وخصومة هناك في ضوء نفس المصلحة العليا لبلدنا. فالمصالح العليا للدولة المغربية هي ذات الأولوية وفوق أي اعتبار آخر وهذا الأمر طبيعي ومنطقي وتأخذ به كل دول العالم بمختلف اتجاهاتها الفكرية واختلاف نظرياتها الاقتصادية والسياسية، والمغرب لا يخرج عن إطار هذه المعادلة ومن حقه أن يدافع عن نفسه تجاه مغامرات فرنسا ويبحث عن شراكات قوية بديلة تتحقق من خلالها المصالح المنشودة، وهذا الأمر لا يمكن أن يتحقق إلا بالتحالف والاتفاق والشراكة مع دول قوية اقتصاديا وعسكريا وأمنيا.
ولذلك فبلدنا لا يحتاج لشراكات من أجل الشراكات فقط، بل لشراكات استراتيجية مع دول لها مكانتها في المنتظم الدولي كما حدث مع إعلان الرباط، والعلاقات التي تطبخ على نار هادئة مع إنجلترا وما حققته علاقتنا مع إسبانيا وهولندا والبرتغال، حتى لا يظل المغرب رهينة لمزاج وابتزاز بعض الدول داخل الاتحاد الأوربي الذي تربطنا به شراكات استراتيجية.
الخلاصة المهمة من زيارة رئيسة الديبلوماسية الألمانية أن المغرب لا يلعب إلا مع الكبار، وأن الحلفاء التقليديين يموتون ويولدون، وأن ألمانيا بديل حقيقي وقوي وموثوق ومستقر في قراره ولا يمكن بأي شكل من الأشكال المقارنة بين الإمكانيات التي تمتلكها فرنسا الغامضة وتلك التي تزخر بها ألمانيا، وبالتالي فإن أي مقارنة أو مقاربة بين الدولتين وفي كل المجالات ودون استثناء تظهر أن البون شاسع والفرق واسع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى