يصف كتاب «الإمبراطور الأصفر»، وهو أحد أوائل الكتب الكلاسيكية في الطب الباطني يُعتقد أنه كُتب قبل نحو 2300 سنة، كيف تؤثر الفصول على جميع الكائنات الحية، ويقترح أن على المرء خلال فصل الشتاء النوم باكرا والاستيقاظ مع شروق الشمس، وأن يُبقي على الرغبات والنشاط العقلي هادئين.
لاحقا، بعد أكثر من ألفيْ عام، وفي مقال بعنوان «مذكرات حول الجنون» نشره فيليب بينيل، الملقب بأب الطب النفسي الحديث عام 1794، لاحظ بينيل تدهورا عقليا لدى بعض مرضاه النفسيين عندما بدأ الطقس البارد في شهريْ دجنبر ويناير. أما مصطلح الاضطراب العاطفي الموسمي فقد ظهر في وقت حديث نسبيا في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، مع عالم النفس الجنوب الأفريقي الأصل نورمان إي. روزنتال الذي يعد صاحب أول محاولة لوصف هذا الاضطراب بدقة. درس روزنتال أيضا الارتباط بين الاضطراب العاطفي الموسمي والإبداع، وأعطى أمثلة للعديد من الفنانين والشعراء الذين أدركوا تأثير تغير الضوء على مزاجهم، أبرزهم فان جوخ
ما هو الاكتئاب الموسمي؟
الاكتئاب الموسمي أو ما يطلق عليه أيضا الاضطراب العاطفي الموسمي، هو أحد الاضطرابات النفسية التي تحدث لبعض الناس في نفس التوقيت من العام خاصة مع تغيير الفصول الأربعة المناخية.
أنواع الاكتئاب الموسمي
لا تقتصر أنواع الاكتئاب الموسمي على فصل الشتاء فقط، بل من الممكن أن يحدث في فصل الصيف على النحو الآتي:
-الاكتئاب الموسمي الشتوي أو الخريفي
وهو الشائع من الاضطرابات العاطفية الموسمية حيث يبدأ في نهاية فصل الخريف ويزداد سوءا في فصل الشتاء وينتهي غالبا بحلول فصل الربيع.
-الاكتئاب الموسمي الصيفي
الاكتئاب الموسمي الصيفي يبدأ في نهاية فصل الربيع وبداية فصل الصيف، ولكن الجدير بالذكر أنه نادرا ما يحدث لهذا تجد أن الشائع من الاضطرابات الموسمية العاطفية هو الخريفي أو الشتوي.
أسباب الإصابة بالاكتئاب الموسمي
قد نتساءل ما الذي يجعل شخصا يشعر بالحزن بدخول فصل الشتاء خصيصا أو أحد الفصول السنوية الأخرى، وفي الواقع فإن السبب الأساسي ما زال غير معلوم إلى الآن، ولكن توجد بعض النظريات والتفسيرات التي ربما تبرر لنا هذا الأمر:
أولا: ارتباط الاكتئاب الموسمي بأشعة الشمس.
فأكثر مصابي هذا النوع من الاكتئاب هم الذين يسكنون في البلدان الباردة بالأساس، وحلول فصل الشتاء يعني بالنسبة لهم اختفاء أشعة الشمس وظهور الغيوم، والذي يتبعه بالضرورة تغير في الساعة البيولوجية واضطراب دورة الاستيقاظ والنوم، وبالفعل يوجد دليل قوي على صحة هذه النظرية.
ثانيا: ارتباط الاكتئاب الموسمي ببعض الناقلات العصبية في الدماغ
تشير بعض الدراسات إلى أن نشاط النواقل العصبية يقل في الأشخاص الذين يعانون من الاضطراب العاطفي الموسمي، ويقال إن أشعة الشمس قد تصحح ضعف نشاط النواقل العصبية عند هؤلاء الأشخاص.
ثالثا: الميلاتونين
الميلاتونين هو أحد المركبات الكيميائية في الدماغ والذي يرتبط ارتباطا وثيقا بنمط النوم والاستيقاظ، وعدم التعرض لأشعة الشمس يحفز إنتاج الميلاتونين الذي بدوره يؤدي إلى الإصابة ببعض الأعراض المرتبطة بحلول فصل الشتاء مثل الرغبة الدائمة في النوم.
علاج الاكتئاب الموسمي
علاج الاكتئاب الموسمي يختلف بالطبع باختلاف شدة الأعراض التي يشعر بها المريض والإصابة بنوع آخر من أنواع الاكتئاب أو الاضطرابات النفسية مع الاكتئاب الموسمي، وتوجد الآن وسائل حديثة مستخدمة في علاج الاكتئاب الموسمي مثل:
العلاج بالضوء
يعد العلاج بالضوء من أبرز الوسائل العلاجية في علاج الاكتئاب الموسمي، حيث يجلس المريض أمام أحد المصابيح التي تعطي ضوء ساطعا للغاية لمدة لا تقل عن ثلث ساعة يوميا، ويفضل الاستمرار على العلاج الضوئي في خلال جميع شهور الشتاء على الرغم من الكثير من المرضى يتحسنون كثيرا بالعلاج الضوئي بعد أسبوعين من البدء فيه خوفا من عودة الأعراض المرضية مرة أخرى والانتكاس بعد التحسن.
العلاج المعرفي السلوكي
العلاج المعرفي السلوكي القائم على الجلسات النفسية مع الخبير النفسي المختص له القدرة على تحسين الكثير من الأعراض السلوكية الحادثة في هذا الاضطراب.
العلاج الدوائي
قد توصف بعض مضادات الاكتئاب أثناء علاج الاكتئاب الموسمي حيث تعد مضادات امتصاص السيروتونين الانتقائية من أبرز الأدوية العلاجية المستخدمة في علاج اضطراب العاطفي الموسمي وأكثرها كفاءة.
هل يمكن الوقاية من الاضطراب العاطفي الموسمي؟
بالإضافة إلى الطرق العلاجية السابق ذكرها، توجد بعض النصائح التي يمكننا أن تتبعها لتجاوز تغيير الفصول والابتعاد عن الاضطرابات النفسية الوارد حدوثها في مثل هذه الأوقات مثل:
-ممارسة الرياضة.
-الخروج للتنزه في الصباح الباكر ومحاولة التعرض لأشعة الشمس قدر المستطاع.
-الحفاظ على النشاط.
-تناول الطعام الصحي الغني بالفيتامينات والألياف وغيرها.
-النوم لعدد ساعات كافية يوميا.