الاستقلالية المفترى عليها
دون سابق إنذار، خرجت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية، لتؤكد عدم وجود أزمة بين باريس والمغرب، وتنفي وجود ارتباط بين موقف البرلمان الأوروبي الأخير والحكومة الفرنسية، مبرزة: «البرلمان الأوروبي يمارس صلاحياته بشكل مستقل، وفرنسا من جانبها تربطها علاقة صداقة عميقة بالمغرب تتناول من خلالها كافة القضايا، بما في ذلك حقوق الإنسان».
مثل هذه الخرجات، ينطبق عليها المثل المغربي القائل: «اللي فيه الفز كيقفز». لقد أصبحوا «يقفزون» أكثر من اللازم، ويُكثرون من الخرجات الإعلامية، للتغطية على مسؤوليتهم عما جرى بالبرلمان الأوروبي، فيما يعلم القاصي والداني أن فرنسا مسؤولة بشكل مباشر عما جرى في جلسة العار بالبرلمان الأوروبي، وبتحريض وبإيعاز من صناع القرار في قصر الإيليزي.
وإذا كان من الصعب التغطية على الشمس بالغربال، ومن المستحيل إخفاء الغابة بالشجرة، فمن سابع المستحيلات محاولة إقناع الرأي العام الوطني ببراءة فرنسا مما جرى في البرلمان الأوروبي، ومع ذلك لم توجه أي مؤسسة دستورية أصابع الاتهام إلى فرنسا، ولم يتضمن بلاغ البرلمان المغربي أي إشارة إلى تورط باريس في الحملة الممنهجة ضد بلدنا، بل إن وزارة الخارجية المغربية التزمت الصمت، بالنظر إلى أن الموضوع برلماني- برلماني. لكن فرنسا خرجت لتنفي، لأنها مقتنعة، وتبعد عنها التهمة، لأنها تدرك في قرارات نفسها أن لها يدا طولى في الموضوع.
وحسنا فعل المغرب بقراره إلغاء اجتماعات رفيعة المستوى، مع مسؤولين فرنسيين في الدفاع والعدل؛ فهو رسالة مبطنة على الدور الشيطاني لباريس في البرلمان الأوروبي، فلا يمكن الثقة في دولة تحرك خيوطها ونفوذها لضرب مؤسساتنا السيادية، سيما القضاء والأمن، فأي ثقة يمكن أن تحوزها بلادنا، لدى المستثمرين والسياح والمواطن، وفرنسا تحرك من وراء الستار أدواتها للإساءة إلى بلد يفترض أنه شريك استراتيجي. إن المغرب يمكن أن يقبل كل شيء، إلا أن تهان مؤسساته وأعمدته السيادية. هنا يتوقف بصرامة لإعادة حساباته من جديد، وهذا ما جرى بالفعل.