شوف تشوف

الرأيسياسية

الإقلاع الاقتصادي والسؤال المعلق

 

 

 

عبد الرزاق الحجوي 

 

لا عيب في الاختلاف في الرأي حول أي موضوع ولو كان من قبيل التخطيط للنهوض بالاقتصاد الوطني، بل العيب أو النقص يتجلى في التقصير في الدفاع عما قد يكون أفضل الحلول وأضمنها مردودية. وما فتح المؤسسة الملكية الباب للمواطنين للمساهمة الاقتراحية في التخطيط للنموذج التنموي، إلا خير محفز للخوض في موضوع من هذا الحجم، وهو موضوع كيفية ضمان إقلاع اقتصادي كفيل بانتشال أوسع فئات المجتمع من الهشاشة والفقر، وكفيل بنقل المملكة من تدبير الندرة إلى تدبير الوفرة.

لقد رفع العهد الجديد تحديات كبرى في باب تأهيل وتحديث البنية التحتية بداية هذا القرن، وبعد انتهاء الأوراش الكبرى التي خلفت ديونا ثقيلة، وبعد فتح عدة أسواق أمام المنتوج المغربي لم تأت النتائج بالشكل المنتظر، بل منها ما انقلب إلى العكس؛ رغم أن توقيع اتفاقيات التبادل الحر مع تلك الأسواق قد كان مدروسا على أساس ميل كفة تكلفة الإنتاج لصالح المغرب، على أساس انخفاض متوسط الأجور ومميزات الموقع الجغرافي وسلاسة النقل بجميع أصنافه. لكن ما الحاجز الذي صمد عثرة أمام تدفق أرباب سلاسل الإنتاج والتوزيع من داخل تلك الأسواق قبل غيرهم، للانتقال إلى المغرب للربح أكثر، هل هي الصين؟ لكن بعض التجارب قد نجحت في نيل حظها حتى مع شراسة هذا المنافس مثل التجربة التركية، زيادة على كون ارتفاع متوسط الأجور حاليا داخل الصين هو عامل إيجابي، ينضاف إلى عاملي أفضلية الموقع، ورغبة القيادة في مضاعفة حجم الاستثمار. إذا، هناك مكون غائب في هذه الوصفة، منع هذا المخطط الجبار للنهوض بالاقتصاد الوطني من أن يؤتي أكله بالمعدلات الكافية والمناسبة لما بذل من جهود، ولما نمتلكه من مميزات خاصة.

لا مجال للمقارنة بين مغرب نهاية القرن الماضي ومغرب بداية هذا القرن، لكن ما الذي يجعلنا نتحرك بصعوبة، لنقتنص الأهداف بتكلفة جد مرتفعة مع استهلاك أطول للوقت، خاصة في موضوع البطالة التي هي أم الهشاشة والفقر، والتي تتناسل منها جل الظواهر المؤلمة للمجتمع والمكلفة للدولة. بل إن انعدام التوازن بين العرض والطلب داخل سوق الشغل، يؤثر حتى على غير المسجلين في لوائح البطالة، باضطرار بعضهم للقبول بالعمل في ظروف غير إنسانية وتحت شروط غير قانونية؛ فهذا الخلل بين العرض والطلب يزيد من جشع وتسلط نوع من المشغلين ممن لا ضمير لهم، فالكل يدفع الثمن بشكل أو بآخر. فهل من سبيل يسمح لنا بقلب هذه الآية لتحقيق التوازن المستعصي بين كفتي سوق الشغل، هذا التوازن هو الضامن أيضا لتوازن كفتي الميزان التجاري الأعصى وأشق، والمؤهل إلى ترسيخ ظروف تضمن العيش الكريم الذي ننشده بحرقة وبإصرار، قيادة وشعبا.

إن حاجة المستثمر العادي من الحجمين الصغير والمتوسط، مواطن أو أجنبي، إلى خفض كلفة إنشاء الوحدة الإنتاجية أو الصناعية، وإلى الحماية من تجبر البيروقراطية هي ألح من حاجة المستثمر الكبير، الذي لا يوافق على الاستثمار بالمغرب إلا بوجود ضمانات استثنائية تقيه حر ارتفاع كلفة الإنشاء، وتجهم البيروقراطية ومطبات النصب والاحتيال، التي أخذت كل منهما حجما غير عادي يخدش سمعتنا ويقوض أسمى أحلامنا.

فإن كان قلب واقع السوق العقارية مستحيل في المناطق المصنفة، وإن كانت إعادة هيكلة الخدمات الإدارية والقضائية حتى تبلغ المستوى المرضي والآمن للجميع، هي أكبر بكثير من المتاح في يد الدولة من طاقة تمويلية اليوم، فإن العلاج الموضعي يبقى ممكنا، وإن شكل بدوره تحديا كبيرا لكنه ممكن، وهو إنشاء أحياء صناعية كبرى على مسافة ساعة أو أقل من الحواضر، حيث من المتاح توفير القطع الأرضية لبناء المعامل بأثمنة لن تتجاوز الثلاثمائة درهم للمتر، شاملة لكلفة التجهيز والربط بالشبكات، كما يجب توفير خدمات إدارية وقضائية متقدمة خاصة لهذه المناطق. كل هذا لن يكفي دون أحد مكونات الوصفة التكميلية لوصفة الأوراش الكبرى الأساسية، وهو ترويض سعر الطاقة التي رغم القيمة الحيوية للطاقة المتجددة، فإن تطور مصادر الطاقة النظيفة مثل الجيل الحديث من توربينات الغاز الألمانية، ومستوى نضوج تقنية المفاعلات النمطية الصغيرة، هي مصادر لا غنى عنها لأجل التحكم في كلفة وفي سومة الطاقة الكهربائية.

إن هذا البلد المحظوظ جغرافيا، والمحظوظ بما تحقق من أوراش كبرى، والمحظوظ بمستقبل السوق الإفريقية الواعدة، والمحظوظ بنسبة الشباب المؤقتة مع إطلالة مقدمات ظاهرة الشيخوخة، والمحظوظ بما حققته الصناعة الوطنية من إنجازات وتقدم، كان على مرمى حجر منذ نهاية عقد الأوراش الكبرى الأول من الإقلاع الاقتصادي، الذي تنتهي معه الندرة ويرتفع فيه الدخل الفردي والعمومي، بأضمن وأرسخ الوسائل، ولا يزال على مرمى حجر منه. فهل سنستطيع تحقيق ذلك دون المرور عبر هذه المحطة، محطة العلاج الموضعي للاستفراغ الكلي لقطاع الصناعة مما في جعبته من فرص، أم لا؟

نافذة:

حاجة المستثمر العادي من الحجمين الصغير والمتوسط مواطن أو أجنبي إلى خفض كلفة إنشاء الوحدة الإنتاجية أو الصناعية وإلى الحماية من تجبر البيروقراطية هي ألح من حاجة المستثمر الكبير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى