الإضراب والمواطن

لا شك أن الحق في الإضراب والاحتجاج منصوص عليه في دستور المملكة، وتضمنه القوانين الجاري بها العمل، لكن حماية حق المواطن المرتفق وخدمته من قبل المؤسسات العمومية، وفق الجودة المطلوبة، من الحقوق الدستورية أيضا، وهو الشيء الذي يتطلب الاجتهاد في قوانين تنظيمية تراعي كافة التوازنات المطلوبة وتضع المصالح العليا للوطن فوق كل اعتبار.

هناك جدل متواصل حول القانون الجديد للإضراب بالمغرب، ما يتطلب توسيع المشاورات مع جميع الجهات المعنية، والتفصيل في مواد مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، وذلك لضمان التنزيل الأمثل والخروج من أزمة جمود القوانين إلى فضاء احترامها لأن قوة أي قانون تكمن في مدى اتساع نسبة احترامه وليس خرقه.

ولا يمكن تحويل الإضراب إلى غاية في جميع الأحوال، كما لا يجب السماح بتحويله من وسيلة لتبليغ الصوت إلى هاجس لتخويف الاستثمارات والقطاع الخاص وخدمة الأجندات السياسية أو الشخصية، باعتبار التوقف عن العمل يدخل في خانة الأشكال الاحتجاجية التصعيدية التي تستنفد كافة محاولات تحقيق المطالب، وتقف أمام الباب المسدود للحوار.

إن شل القطاعات العمومية والخاصة لا خير فيه للجميع ويكلف الدولة والاستثمارات خسائر جسيمة، كما أن الاصطدام دوما كلفته صعبة لجميع الأطراف، لهذا تعمل الآلة الديمقراطية لضمان حرية النقابات والاحتجاجات المؤطرة بواسطة القانون، حيث يبقى الإضراب وسيلة وليس غاية، كما يتحتم على الجميع مراعاة المصلحة العامة عند الحوار وإظهار الحكمة والليونة المطلوبة التي تضمن استمرار الخدمات.

كما تطالب العديد من الأصوات بالمزيد من الانفتاح والحريات النقابية وحرية التعبير، يجب أن يوازي ذلك تشكيل هيئات نقابية وجمعيات وأحزاب قادرة على المساهمة في الإصلاح ودعم بناء المغرب الحديث، ولن يكون ذلك سوى بالتشبيب وفتح المجال أمام الطاقات والكفاءات وتغليب الصالح العام على كافة التفاصيل الأخرى، ونكران الذات وضمان استمرارية الإنتاج بالقطاع العام والخاص على حد سواء وعدم تحول الحق في الإضراب إلى هاجس إفلاس وتخويف المقاولات.

الحق في الإضراب ليس معركة كسر عظام ولا يتعلق بانتصارات سياسية ولا حزبية ولا هيئات نقابية، بل يتعلق الأمر باشتعال مصباح أحمر بقمرة القيادة يشعر بعطب بمحرك السيارة يتطلب التوقف من قبل السائق لإصلاح الخلل بشكل فوري حتى لا تتأثر أجهزة المحرك الأخرى ويتوقف عن العمل وتكون الأضرار فادحة، ومتى حافظنا على السير العادي للسيارة واحترام قوانين السير وصلنا الوجهة المطلوبة بأمان.