شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةتقارير

الإصلاح المطلوب

خلافاً لكل التوقعات المتفائلة فأزمة ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة لازالت مستمرة، بسبب ما يقع من توترات عالمية، والأكيد أن ليس هناك مؤشرات في الأفق القريب توحي بانتهاء الأزمة التي تضرب العالم بأسره وننال منها نصيبنا. فإذا كانت حكومات دول كبرى لديها من الثروات والاقتصاد القوي والأموال الطائلة عاجزة عن تحقيق إنجاز يذكر في مجاراة هاته الأزمة العالمية، برغم ما تحت يدها من ثروات وصناعات وخدمات ومنظومة اجتماعية قوية، فهل من المعقول أن نطلب من المغرب بقدراته المحدودة أن ينجز ما لم تستطيعه معظم بلدان العالم تحقيقه؟

مقالات ذات صلة

لكن مع ذلك أمام الحكومة الكثير من الملفات وأعشاش الدبابير التي ينبغي دخولها لوقف نزيف المالية العمومية والبحث عن موارد جديدة وتحسين المصادر القائمة. فما قدمته الحكومة من سلسلة التدابير الاجتماعية والاقتصادية لدعم المواد الأساسية والمقاولات والأفراد الذين يعملون لحسابهم الخاص للحفاظ على فرص العمل وبقاء الأسعار في مكانها مهم وجنبنا الكثير من المتاعب، غير أنه ليس كافيا بل نحتاج من الحكومة قرارات  أكثر جرأة لا سيما في ملف محاربة الريع الاقتصادي، فمنذ عقود ظلت «أحجية» محاربة الريع مجرد شعار للاستهلاك السياسي لا أثر له على أرض الواقع، ولا تزال البلاد ترزح تحت وطأته في المناجم والمقالع والصيد في أعالي البحار والنقل والأراضي الفلاحية، وبينما تحاول الحكومة الحالية جاهدة تنفيذ الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية الضرورية لتلبية تطلعات الشعب نحو مزيدٍ من العدالة الاجتماعية، فمن واجبها سد أنابيب الريع الاقتصادي والمالي التي تفوت على المغرب أكثر من 40 مليار درهم

وبلا أدنى شك يعد التهرب الضريبي أحد المشاكل الإضافية التي تواجهها خزينة الدولة، فلذلك فالحاجة ماسة اليوم لتوفير سياسة ضريبية مستقرة ودائمة ومنتجة وعادلة تسمح بخلق دينامية تنموية مستمرة، والمطلوب من الحكومة النظر في إخضاع كل قطاع أو نشاط لنظام الضرائب لأن مبدأ العدالة الذي يستوجب على جميع دافعي الضرائب تقديم تصريحاتهم، والقطع مع زمن العفو الضريبي لبعض المهن والقطاعات بتبريرات واهية، وبلا ريب فبإمكان الخزينة أن تحقق عائدات ضرائب تفوق  150 مليار درهم التي تحققها اليوم، ولو طبقت العدالة الضريبية لتمكنت بلادنا من تعزيز إمكانيات الدولة بنسبة تناهز 20 في المائة يمكن آنذاك استخدامها لتمويل القطاعات الاجتماعية كالصحة والتعليم.

ومن المفترض أن تعكف الحكومة على التعامل مع سلبيات الاقتصاد غير المهيكل الذي ظل يستفيد بطريقة غير مباشرة من التهرب الضريبي ولا يؤدي دورا فعالا في الاقتصاد المحلي، بل بالعكس تحول إلى عبء على خزينة الدولة طيلة سنتين من جائحة كوفيد. وللأسف ما يزال إيجاد حلول للاقتصاد غير المهيكل، هذا التحدي الكبير، بهدف القضاء على هذه الآفة المستمرة التي تحد من خلق القيمة وتواصل الإضرار بالاقتصاد الوطني بعيد المنال إن لم نقل العكس، حيث إن  30 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي، تعيش في الخفاء دون أن تصلها يد القانون والسلطة.

إن الأجوبة الحقيقية والجذرية على غلاء المعيشة وصدمات الأسعار، لن يكون بقرارات جزئية أو ظرفية، بل بخيارات عميقة تعالج المرض من أصله ولا تضع له مسكنات فقط

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى