شوف تشوف

الرأي

الإسلاميون وسؤال الطائفية والهوية

محمد أبو رمان

في الجلسة الثانية من مؤتمر «الإسلاميون بعد عشرة أعوام من الربيع العربي» (يعقده معهد السياسة والمجتمع في عَمان بالتعاون مع مؤسسة «فريدريش إيبرت») طغت أسئلة جديدة مغايرة لأوضاع الإسلاميين وأزمة السلطة (موضوع الجلسة الأولى)، إذ تناول الباحثون الحالات السورية واللبنانية والأردنية ضمن محور «الإسلاميون في مربع المعارضة والحروب الداخلية».
كان واضحا من الحالات الثلاث أن هنالك أدوارا أكبر لعوامل مختلفة عن التي خبرناها في التجارب السابقة (المصرية قبل 30 يونيو 2013، والمغرب وتونس)، تتمثل في الأبعاد الخارجية والجيواستراتيجية من جهة والعامل الطائفي من جهة ثانية، وبقي «العامل الجيلي» أي صراع الأجيال، واضحا في الحالات جميعا بين جيل الشباب في الحركات الإسلامية وجيل الشيوخ.
كان دور العامل الخارجي مؤثرا بدرجة كبيرة في الحالتين السورية (تناول عبد الرحمن الحاج تطور المشهد الإسلامي هناك خلال العقد الأخير) واللبنانية (وقد تناولته ورقة شفيق شقير)، فقد تحولت سوريا إلى «ساحة» للقوى الإقليمية والدولية، وانجرفت الحركات الإسلامية في هذا المسار، وأصبحت انعكاسا واضحا لموازين القوى الخارجية والداخلية. وألقت «المسألة السورية» بظلال ثقيلة على التيار الإسلامي السني في لبنان، بصورة خاصة الجماعة الإسلامية.
في الأثناء، لم تكن وطأة «الطائفية» أقل على كاهل المجتمعين وحالة التيار الإسلامي فيهما، وتلبست الفكرة الهوياتية الإحيائية (تأسست عليها إيديولوجيا الإسلاميين) بالبعد الطائفي في كلتا الحالتين، وكان السؤال المطروح، هنا، عما إذا كانت الطائفية مأزقا إجباريا للإسلاميين لا يمكن الفكاك عنه، في ظل أنظمة سلطوية ومجتمعات مرتبطة بالحسابات الطائفية وقوى إقليمية فاعلة على هذا الأساس؟ بصيغة أخرى: هل كان بإمكان التيار الإسلامي، بصيغته السنية، أن يخرج من الإطار الطائفي، ويدفع باتجاه الهوية الوطنية الجامعة؟ أم كان ذلك سيسجل بوصفه «سباحة في الفضاء» بعيدا عن الواقع المجتمع والسياسي؟
لعلنا نذكر، هنا، تجربة شيخ الحركة الإسلامية في لبنان، فتحي يكن، الذي انشق عن الجماعة الأم، وهو منظر عالمي إخواني معروف، وتقارب مع حزب الله. أو حتى تجربة «المشايخ» (وبعض الجماعات والطرق الصوفية) في سوريا الذين هادنوا الأوضاع السياسية، كيف انتهى بهم الأمر في مشهد الحرب الداخلية هناك.
هذه وتلك من أسئلة تعيد صياغة سؤال مهم ورئيس في حقل دراسة الحركات الإسلامية اليوم، في ظل الانقسامات الداخلية والهويات الفرعية، الدينية والطائفية والعرقية، والعامل الخارجي؛ هل المطلوب من الحركات الإسلامية كي تكون رافعة للديمقراطيات التوافقية (وهي الصيغة الوحيدة التي تصلح لمجتمعات كهذه ضمن الظروف الراهنة) أن تكون عابرة للطوائف والهويات، أم جزءا من تلك الهويات الداخلية وقوى فاعلة فيها؟ مع التذكير بأننا نتحدث عن الحالة المشرقية اليوم في ظل صعود هذه الاصطفافات والوقائع والظروف القسرية.
بالانتقال إلى الحالة الأردنية، التي تبتعد عن التداعيات الطائفية، فإن المفارقة (كما ظهرت في ورقة إبراهيم غرايبة) أن مسألة الهوية لا تغيب بالكلية، وتتوارى خلف الخلافات والنقاشات في أوساط الحركة الإسلامية، والخلافات التي عصفت بها من الداخل، ودفعت الحركة إلى عدم القدرة على الفصل بصورة واضحة بين مفاهيم الجماعة والعمل الدعوي والخيري والخطاب الوعظي من جهة، والعمل السياسي البرامجي من جهة أخرى، ما دفع غرايبة إلى إعادة طرح سؤال قديم جديد، عما إذا كان الإسلام السياسي يعاين حالة التراجع والانحسار. يستدرك غرايبة على ذلك بأن الانتصار في الانتخابات النيابية لا يعني، بالضرورة، عدم الإقرار بالتراجع، فهنالك مفاهيم وقضايا إيديولوجية لم تعد قادرة على التكيف مع المتغيرات الاجتماعية والثقافية والسياسية. لذلك، يدعو إلى عقلنة الخطاب الإسلامي في المجال العام، بما يسمح بحوار مفتوح تعددي ديمقراطي من دون ادعاء الإسلاميين احتكار الحقيقة. وقد دفعت مثل هذه الدعوة حسن أبو هنية إلى إثارة تساؤلات مهمة؛ في تعريف معيار التقدم والتراجع، وفي ترسيم المطلوب من الإسلاميين كي يوصفوا بالعقلانية والواقعية، في ما إذا كان هو القبول بالاستبداد والتسلطية؟ وفي تعريف حركات ما بعد الإسلام السياسي، في ما إذا كانت تطورا مهما في خطاب الإسلاميين، كما يدافع آصف بيات، أم انهيارا في المد الإسلامي كما تنبأ أوليفيي روا قبل عقود؟
قادت تلك النقاشات إلى «محاولات» النخب المثقفة المسيسة للإسلاميين في الأردن (مثل حزب زمزم) للخروج من رحم جماعة الإخوان، وتأسيس أحزاب برامجية جديدة (وصفت بأنها خارج إطار الإحيائية الإسلامية، وتمثل امتدادا لمفهوم الإسلام السياسي). لماذا لم تأخذ الزخم الشعبي ذاته، وبقيت القواعد الشعبية بيد الإسلام السياسي بصيغته الإخوانية؟
من الواضح أن العوامل السياسية والتاريخية، الخارجية والداخلية، في هذه الحالات مغايرة عن التي تحكم الإسلاميين في المغرب العربي، ما قاد هشام جعفر وخليل العناني، هبة رؤوف عزت إلى طرح ضرورة إعادة النظر بصورة جوهرية في مناهج دراسة الحركات الإسلامية في ضوء هذه التجارب والنماذج.
نافذة:
الانتصار في الانتخابات النيابية لا يعني بالضرورة عدم الإقرار بالتراجع فهنالك مفاهيم وقضايا إيديولوجية لم تعد قادرة على التكيف مع المتغيرات الاجتماعية والثقافية والسياسية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى