شوف تشوف

الرأي

الإسلاميون والدرس التونسي

محمد أبو رمان

قدم كل من أمين عام حزب المؤتمر الوطني الأردني، رحيل غرايبة، والكاتب والإعلامي التونسي، صلاح الدين الجورشي، ورقتين مهمتين عما حدث في تونس أخيرا، وتداعياته على الإسلام السياسي، وحركة النهضة خصوصا، وسردية الربيع العربي من زاوية أخرى. وأعادت النقاشات التي تخللت الجلسة (عقدها معهد السياسة والمجتمع مع مؤسسة «فريدريش أيبرت»)، يوم الجمعة الفائت، وشارك فيها نخبة من الباحثين في الإسلام السياسي، طرح تساؤلات وأسئلة عن الممارسة السياسية للإسلاميين، وأزمة التعامل مع استحقاقات السلطة بعد أن أتقنوا، خلال العقود السابقة، التكيف مع ديناميكيات المعارضة وفي ظروف وضغوط سياسية وأمنية.
بالضرورة، ثمة آراء واجتهادات متعددة وزوايا نظر متباينة في قراءة ما حدث (برزت خلال النقاشات). ومن المهم إدراك أن الإشكالية التي على الباحثين والخبراء البحث فيها لا تقع ضمن سياقات التلاوم أو تحميل المسؤوليات؛ في ما إذا كان النهضويون (قادة حركة النهضة وكوادرها) أخطؤوا، وتسببوا في القرارات المعلنة أخيرا، أم أنهم ضحايا أجندة داخلية وخارجية معادية لهم، تتربص بهم وتنتظر الأخطاء والزلات! أو في ما إذا كان ما حدث يستحضر «شبح الحالة المصرية»، أو أنه تصحيح للمسار الديمقراطي والثوري التونسي، كما تجادل آمال قرامي من تونس؟
ما هو المنظور المطلوب، إذاً، لقراءة ما حدث؟ هو قراءة طبيعة المرحلة الانتقالية نحو الديمقراطية والتمييز بينها وبين الديمقراطية الناجزة (المكرسة). ودعونا نعترف بأن نسبة كبيرة من الباحثين والمثقفين وقعوا في خطأ القراءة الرومانسية للربيع العربي، وكأننا توقعنا أن الديمقراطية يمكن أن تتحقق بمرحلة قصيرة، وعزز من ذلك، مؤقتا، نجاح التجربة التونسية في تجنب ما وقع في تجارب عربية عديدة (أطلق عليها الاستثناء التونسي)، وتمايز الإسلام السياسي في المغرب العربي وتونس عنه في المشرق العربي، في الطرح الأيديولوجي الذي ذهب أكثر نحو الواقعية والفصل بين الدعوي والسياسي، حتى أن باحثين مرموقين صنفوا الحركات الإسلامية في هذه التجارب ضمن مربع «ما بعد الإسلام السياسي»، بمعنى أنهم تطوروا درجات ملحوظة على «إخوانهم» في المشرق.
في المقابل، وبمطالعات أولية لأغلب أدبيات التحول الديمقراطي، بل أبجديات النظريات الديمقراطية، ترشدنا إلى أن هذه الطريق المختصرة لم تكن موجودة في التجارب التاريخية ولا في خبرات الدول التي انتقلت إلى ديمقراطية ناجزة مستقرة؛ ففي هذه المراحل الانتقالية مجال الخطأ والزلل والانحراف والتراجع، ثم التقدم في أحيان، واسع وكبير، بل هو المسار الأكثر احتمالا، وليس الخط البياني المستقيم بالتحول.
غالبا ما تقع الدول في مرحلة التحول في مشكلات وأزمات عديدة وتواجه تحديات؛ مثل تحدي الثقة بين اللاعبين السياسيين، والفجوة بين السقوف المرتفعة للثورة والديمقراطية والواقع العملي، والأزمات الاقتصادية التي تنجم عادة عن طبيعة مرحلة التحول ذاتها، وغياب التوافق بين الفاعلين السياسيين على قواعد اللعبة السياسية الجديدة، ودور العوامل الخارجية. وهكذا نجد أن جملة كبيرة من المتغيرات الرئيسية تؤدي أدوارا فاعلة في ترسيم المسارات المتعرجة في مرحلة التحول الديمقراطي.
يترتب على ما سبق أيضا أن التعامل مع تجارب الدول (كما ترى المقاربات الجديدة في التحول الديمقراطي) لا يكون وفق قواعد صارمة مسبقة تحكمها جميعا، لأن هناك عوامل ومتغيرات تشكل السياقات الداخلية: سياسيا واقتصاديا ومجتمعيا، تفرق بين التجارب المختلفة والمصائر والمراحل التي تؤول إليها، لذلك من الضروري إدراك أن لكل تجربة خصوصيتها وفرادتها ومتغيراتها المختلفة.
وعلى صعيد الإسلاميين ومآلات ما حدث في تونس، من الواضح أن أبرز خلاصة (توافق عليها أغلب المشاركين في النقاشات) تتمثل بزوال القداسة عن الممارسة الإسلامية، والتخلي عن الثوب الأيديولوجي الصلب الذي كانت ترتديه هذه الحركات، لتجد نفسها أمام تفصيلات الواقع وتعقيداته وشروطه ومتطلباته، التي تختلف في بنيتها وطبيعتها جذريا عن البنية الأيديولوجية الخطابية التي كانت تتمسك بها تلك الحركات في السلطة. ومن ذلك أيضا أن الإسلاميين في النهاية بشر وفاعلون سياسيون يخطئون ويصيبون، وتصيبهم أمراض الأحزاب والحركات الأخرى، ومن الطبيعي أنهم سيخسرون شطرا كبيرا من شعبيتهم التي بنيت في عقود سابقة على خطاب معارض احتجاجي، وعلى مظلومية المواجهة مع الأنظمة السلطوية.
لا تقل أهمية الدرس التونسي عن الدروس الأخرى في الربيع العربي، وربما قيمته الأكثر أهمية أنه يخرجنا، باحثين ومثقفين وسياسيين، من مساحة الاسترخاء والاطمئنان لفكرة الاستثناء التونسي وتمايز الإسلام السياسي هناك، لطرح أسئلة وإشكاليات أكثر عمقا تتجاوز الإسلاميين إلى مناقشة المرحلة بأسرها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى