شوف تشوف

الرأي

الأمواج بيننا

يونس جنوحي
رحل جل الذين كانوا يملكون أسرار الصراع بين المغرب وإسبانيا في قضية الصحراء. إذ إن الذين عاشوا بطولات مواجهة إسبانيا بالسلاح، في إطار ما كان يعرف خلال سنة 1958 بخلايا جيش التحرير في الجنوب المغربي، يعرفون جيدا الدور الذي لعبه المغرب لإيجاد حل سياسي للقضية، والذي انتهى بانسحاب إسبانيا من جل الأقاليم الجنوبية المتبقية تحت سيطرة الإسبان بعد المسيرة الخضراء سنة 1975.
وهؤلاء السياسيون الإسبان، من عهد الجنرال فرانكو، يعرفون جيدا أن المغرب الرسمي كان يميل إلى الحل السياسي للقضية بدل السلاح. وهو ما تسبب في أزمة بين السياسيين المغاربة ومؤسسي جيش التحرير، الذين تمردت قيادتهم بالحرف على القرار السياسي الذي مثل سيادة المغرب سنة 1956. ففي الوقت الذي أمر الملك الراحل محمد الخامس قيادات جيش التحرير بوقف أي عمل مسلح، إلى أن يتم البت في موضوع الصحراء سياسيا، بدأ قادة خلايا جيش التحرير بشن الحرب على طريقة الجماعات الثورية على الثكنات العسكرية للجيش الإسباني في الصحراء، وهو ما تسبب في خسارات كبيرة للإسبان.
ولعل النقابي المغربي سعد الله صالح، الذي توفي الشهر الماضي بالدار البيضاء، يبقى من أواخر الذين شكلوا الذاكرة الحية لتلك المعارك. ومن المؤسف فعلا أن يرحل هؤلاء الناس دون أن تسجل شهاداتهم حول هذا الموضوع بالذات. لأنهم اعترفوا في آخر حياتهم بأنهم كانوا مندفعين، لكنهم دفعوا ثمن اختياراتهم السياسية في نهاية المطاف. ومنهم من اتجه نحو المنافي، ومنهم من اختار العمل السياسي من زاوية الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، فسعد الله صالح اشتغل في نقابة التعليم التابعة للحزب، وكان من بين المعتقلين في مؤتمر الاتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة 1963 في إطار ما عرف لاحقا بمؤامرة غشت.
كانت بطولات المغاربة في الصحراء، رغم أنهم لم يكونوا جيشا منظما ولم تكن لديهم إمكانيات عسكرية مثل التي كان يوظفها الإسبان لحماية ثكناتهم في رمال الصحراء المغربية، تشكل إحراجا كبيرا لقيادات الجيش الإسباني في مدريد، ولولا تدخل الملك الراحل محمد الخامس لوقف تلك العمليات المسلحة وبحث حل سياسي مع الإسبان، لشهدت الصحراء برك دم كثيرة.
لكن الإسبان، خصوصا بعد 1975 كافؤوا المغرب بطريقتهم، إذ بقي ملف الصحراء المغربية موضوع سجال سياسي حسب التيار السياسي الذي يصل إلى السلطة.
تبرأ الإسبان من فترة فرانكو، لكنهم لم يردوا الدين المغربي الناتج عن تدخلهم في قضية الصحراء المغربية.
وها نحن نرى اليوم كيف أن إسبانيا استقبلت زعيم جبهة البوليساريو، الذي دخل إليها للعلاج على طريقة المهربين، متنكرا بطريقة لا تليق بمن يسمي نفسه مناضلا.
على الإسبان اليوم أن يعترفوا بأن لديهم قوى داخلية لا تريد للحل السياسي الذي بدأه المغرب بشكل حضاري منذ أزيد من ستين سنة، أن يستمر، وأن هناك من يشجع المرتزقة داخل الحكومة الإسبانية ويصرف ملايين اليوروات سنويا، للترويج لآراء متطرفة في الإعلام الإسباني.
حاول الإسبان سنة 2019 أن يصرفوا الغضب الشعبي الذي عرفته منطقة «لالينيا» السياحية، بسبب المهربين الكبار للمخدرات، ووجهوا الرأي العام لكي يخرج في مظاهرات محلية ضد المهاجرين السريين المغاربة. والحقيقة أن المروجين الحقيقيين للمخدرات، والذين حولوا شاطئ منطقة «لالينيا» الهادئة إلى وكر للفساد وبيع السلاح غير المرخص، لم يكونوا إلا عائلات إسبانية عريقة راكمت ثروات كبيرة من وراء تهريب المخدرات، ولا يعمل معهم أي مغربي، بل كل الذين يتم اعتقالهم في تلك العصابات كانوا إسبان متعصبين يتوارثون تهريب وتجارة المخدرات أبا عن جد.
عودتنا الجارة الشمالية إذن على أن تصرف كل أزماتها الداخلية، بتعليق المعطف الثقيل للأزمة على المغرب. استضافة «إبراهيم غالي» بذلك السيناريو المضحك، لا يمكن إلا أن تكون إهانة لكل المجهودات التي بذلت في قضية الصحراء المغربية منذ سنة 1956 إلى اليوم. وكما يقال دائما في مثل هذه المناسبات: «سوف يأتي يوم يحاكمكم فيه التاريخ». وها هي «الأمواج» بيننا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى