شوف تشوف

الرئيسيةثقافة وفن

الأدب الأوكراني..

هل يحب الأوكرانيون نيقولاي غوغول أو يكرهونه؟

 

محمود عبد الغني:

 

«لماذا جئتُ إلى هذا العالم؟ لماذا أحب بلدي أوكرانيا؟»

تاراس شيغورييفيتش

 

 

كم حلم الشعراء والرسامون ببناء أوكرانيا مستقلة، حرة وقوية بالفن والأدب. وربما هذا هو حلم شعب بكامله اليوم، وأدخنة الحرب صاعدة في كل مكان، في كل قرية أو مدينة من أوكرانيا، منذ أسبوعين تقريباً. مات العديد من الفنانين والرسامين والشعراء في سبيل تحرر أوكرانيا، وقبل أيام انضافت إلى قائمة الشهداء الكاتبة والمحاربة «إيرينا تسفيلا»، صاحبة كتاب «أصوات الحرب، قصص المحاربين القدامى».

لكن، يجب التأكيد على أن الأدباء الأوكرانيين والروس كانوا شبه مرتبطين بنمط حياة واحدة. فالعديد منهم ازدادوا بأوكرانيا وتابعوا دراساتهم وعملهم في موسكو، مثل الروائي بولغاكوف ميخائيل أفاناسيفيتش، المولود سنة 1891 بكييف عاصمة أوكرانيا، والمتوفى بموسكو سنة 1940.

يطرح الأدباء الأوكرانيون سؤالاً يبدو غريباً إلى حد ما: هل نيقولاي غوغول ينتمي إلى أوكرانيا؟ هذا سؤال تكاد تطرحه كل الأجيال، وهو ترديد صدى لحيرة غوغول نفسه عن مدينة «كييف» في رسالة وجهها إلى «ماكسيموفيتش» سنة 1833: «إنها لنا، وليست لهم، أليس كذلك؟» إنه سؤال يهم ويمس  تكون أوكرانيا، كما يهم تشكل الهوية الأوكرانية .l’ukraïnité

إن كل الأوكرانيين يتموقعون بقبول أو برفض الطريق التي سلكها ودافع عنها غوغول في موضوع العلاقة بروسيا. لأنهم إذا اتبعوا نموذج غوغول فأي معنى يبقى لمسألة الاستقلالية؟

هذه الأسئلة طُرحت حتى في حياة غوغول. فمعاصروه تمنوا لو وجدوا فيه «وولتر سكوت أوكرانيا». وإذا كان الإثنوغرافي والمؤرخ الدقيق «كوليتش» ينتقد في غوغول نقصا في المعرفة وغيابا لاتخاذ موقع واضح في الموضوع، فعلينا أيضاً أن نتذكر أن «شيفتشينكو»، الممثل الحقيقي للشعب الأوكراني، كان يلقبه بـ«الأخ» ولم يهاجمه أبداً. كما كان يعتبر أن غوغول الذي «يضحك» يشارك في نفس أفعال الذي «يبكي».

وفي بعض التحليلات التي قدمت في فترة بناء الهوية، كان غوغول يُعتبر بمحبة لا متناهية منتوجاً ونموذجاً لمرحلة قامت بكل شيء من أجل أوكرانيا، ولم يكن من الممكن طلب منه القيام بأكثر مما قام به. لكن هناك من لامه على عدم تقديم نبوءة لما ستكون عليه أوكرانيا. وهذا في حد ذاته خيانة، حسب هذا الموقف.

وفي بداية القرن الماضي، طور الكاتب الأوكراني «سيرهي يوفريموف» (1876-1939) الحديث عن الطابع المزدوج لغوغول، فقد اعتبره ضحية مأساوية لغموضه الخاص. فبالنسبة إليه غوغول يمتلك روحين خاضتا حرباً طاحنة. فبالنسبة للجميع، كان غوغول نبياً جاء قبل زمنه، «جاء مبكراً»، حسب تعبير رجل السياسة الأوكراني «ميكولا ريابشوك» (1953-….). ولذلك ليس من حق أحد رميه في «الجحيم»، مع الأعداء، كما يمكن قبوله في «الجنة»، لذلك سيبقى في «مطهر» ما قبل القومية.

وهناك من حلل حالة غوغول، مثلما فعل «لوتسكي» في كتابه الكلاسيكي «بين غوغول وتيفتشينكو»، باعتباره رجلاً ينتمي إلى «ماضي أوكرانيا» لكن أيضاً لـ«حاضر روسيا». والدراسات الأوكرانية الحالية حول غوغول تقترح تطبيق منهجية ما بعد كولونيالية، ستجعل من غوغول نموذجاً ينتمي إلى ثلاث ثقافات: أوكرانية، روسية وإمبراطورية.

 

تشيفتشينكو تاراس شيغورييفيتش: لماذا أحب أوكرانيا؟

يرى الشاعر الفرنسي «يوجين غيوفيك» أن الرسام والشاعر «تشيفتشينكو تاراس شيغورييفيتش» (1814-1861) هو أكبر وأهم شعراء أوكرانيا، بل ويعتبره تاريخ الأدب مؤسس الأدب الأوكراني. ولد هذا الشاعر في قرية «مورنيتز»، قرب كييف، لوالد كان عبداً «ولم يتحمل قدره فمات عبدا…» سنة 1825، بعد سنة على وفاة زوجته، ولم يتجاوز «تاراس» عمر العاشرة. قضى طفولة بئيسة، عمل فيها راعياً، وعمل في الحقول، قبل أن يرسله سيده إلى موسكو لدراسة الرسم، حتى يستطيع الافتخار والمباهاة بوجود رسام فريد في بيته. في سنة 1838 حرره الشاعر «جيكوفسكي»، والرسام «بريولوف» وآخرون، بشرائه بـ 2500 روبل. ومنذ ذلك الوقت بدأ كتابة القصائد باللغة الأوكرانية. كما رسم بدايات في حياته كرسام، وشاعر ورجل ثائر. فهو يرى أن الرسم والشعر والثورة شيء واحد، لأنه كان يعيش من أجل استقلال أوكرانيا وتصبح دولة ديموقراطية، ومن أجل ذلك لم يتوقف عن الرسم، والكتابة والفعل. انضم إلى تنظيمات، وشارك في أنشطة حركات وطنية؛ وعرف إثر ذلك السجن، والمنفى، ومراقبة الشرطة، بل وحتى تم منعه من الرسم والكتابة. وكانت حياته القصيرة مليئة وطافحة. وقد أصيب قراؤه ودارسوه بالانبهار أمام جمال وعمق أعماله: فقد ترك العديد من القصائد، منها الطويلة التي بلغت آلاف الأبيات، وروايتين تاريخيتين، وعشرين رواية، والعديد من الرسومات واللوحات، رغم وقته الذي كان يخصص معظمه إلى الفعل الثوري، وقضى منه الجزء اليسير في السجون والحصون. والشجن حمله طوال حياته:

«لماذا جئتُ إلى هذا العالم؟

لماذا أحب بلدي أوكرانيا؟»

وأوكرانيا هي دوماً أوكرانيا. فهي حاضرة في كل قصائد الشاعر «تشيفتشينكو»، نفس حضورها في كتاباته الفكرية. حضور مادي لأراضيها، سهولها، لنهر الدانوب الذي، مع الجزر والشعاب المرجانية، والريح على مياهه…كل ذلك يحضر رموزاً لأوكرانيا الحية. تحضر أيضاً المدن والأكواخ، والتقاليد الشعبية، والتاريخ، والحاضر، وكل مظاهر الانتصارات والمخاوف عن مستقبله.

يُعد ميخائيل بولغاكوف أفاناسيفيتش، المولود سنة 1891 بكييف عاصمة أوكرانيا، والمتوفى بموسكو سنة 1940، أحد مؤسسي النثر والمسرح في القرن العشرين. إلا أنه ظل اسماً هامشياً. وهو معاصر، من حيث السن، للشاعر بوريس باسترناك (1890-1960)، وفلاديمير ماياكوفسكي (1893-1930)، وأوسيب ماندليشتام (1891-1938)، وآنا أخماتوفا (1889-1966). لم ينتبه بولغاكوف إلى موهبته الأدبية إلا سنة 1920، بعد «طرده» من عمله الأول كطبيب في الحرب الأهلية. ألف عدة روايات ذاع صيتها، لكن أشهرها رواية «حياة السيد موليير» التي نشرها سنة 1962. وقد عبر في هذه الرواية عن حبه العميق لأعمال المسرحي الفرنسي الكبير جان باتيست موليير. وقد ترجمت الرواية إلى اللغة العربية بترجمة هفال يوسف.

مقتل الكاتبة الأوكرانية «إرينا تسفيلا» وزوجها

 

قُتلت الكاتبة الأوكرانية «إرينا تسفيلا»، وهي من مواليد 1969، رفقة زوجها أثناء مشاركتهما في معارك الدفاع عن مدينة كييف، يوم الخميس 24 فبراير، حسب خبر نشرته مجلة «أخبار أوكرانيا». لإرينا وزوجها خمسة أطفال. وهي مؤلفة كتب عديدة من بينها كتاب «أصوات الحرب، قصص المحاربين القدامى». عملت إرينا مدرسة في العاصمة كييف، وهي أيضاً مناضلة في صفوف حزب «سفوبودا»(الحرية)، كما كانت أيضاً مصورة فوتوغرافية. وأشعل استشهاد إيرينا على حدود مدينة كييف نقاشاً حاداً وواسعاً حول مشاركة النساء في الحرب.

ونشر الفيلسوف والصحفي والكاتب الأوكراني، «فلودومير ييرمولينكو»، يوم السبت الماضي، على حسابه بتويتر، خبر استشهاد «إيرينا»، وهو صديق مقرب جداً منها، وكان يعتبرها «امرأة شجاعة ولطيفة بشكل لا يُصدق». وكان قد اشترك معها في تأليف كتاب «أصوات الحرب، قصص المحاربين القدامى»، العمل الذي يحكي قصص عشرين محارباً في قرية «دومباص». ففي هذه المعركة التي اشتعلت سنة 2014 بين أوكرانيا وروسيا حملت هذه المرأة الشابة السلاح.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى