الأخبار تروي قصصا مأساوية لفتيات عشن بالخيرية بعد التخلي عنهن
كوثر كمار
أثارت قضية التهديد بطرد حوالي ثلاثين نزيلة بدار الفتاة بالدار البيضاء، غضب الرأي العام خلال الأسابيع الماضية، فلم تجد الفتيات حلا آخر سوى الاحتجاج وحمل لافتات تطالب بالحد الأدنى من الكرامة. ورددت الفتيات شعارات احتجاجية تفاعل معها الشارع العام، كما سربت النزيلات مقاطع فيديو بقلب «جمعية نور للرعاية الاجتماعية» بدار الفتاة، تكشف عن الظروف المزرية التي يعشنها.
وإثر ذلك تم تجميد قرار الطرد بعد حضور الكاتب العام لعمالة أنفا إلى مقر دار البنات التابعة لـ»جمعية نور للرعاية الاجتماعية».
«بنات الخيرية بدار الفتاة»
انتقلنا إلى جمعية نور للرعاية الاجتماعية، «دار الفتاة» المتواجدة بشارع مولاي إدريس الأول بمدينة الدار البيضاء.
حاولنا الدخول من أجل زيارة النزيلات، غير أن مديرة الدار رفضت ذلك بدعوى أن هناك لجنة من العمالة تجري بحثا حول الموضوع، ويمنع على جميع وسائل الإعلام، بعد الضجة التي أثيرت، ولوج دار الفتاة.
قضينا ساعات طويلة أمام الخيرية إلى أن تمكنا من الحديث مع إحدى النزيلات التي وافقت على أن تفتح قلبها لـ»الأخبار»، لكن باسم مستعار خوفا من معاقبتها.
«سكينة»، كما نطلق عليها في هذا التحقيق، شابة من بين النزيلات المهددات بالطرد، تحكي بنبرة متحسرة وعيناها مغرورقتان بالدموع، أن إدارة الخيرية كانت قد أمهلتهن أسبوعا فقط من أجل البحث عن العيش في مكان آخر.
رغم وجود والدة «سكينة» على قيد الحياة، فإنها لا تستطيع المكوث معها، خاصة وأنها تعيش في البادية وظروفها المادية جد صعبة، وبالتالي ففي حالة طردها فلن تجد مكانا يؤويها وسيضيع أغلى ما تملكه في الشارع وهو شرفها، لتصبح لقمة سائغة للذئاب البشرية التي لن تتردد في نهش لحمها.
تقول سكينة: «للأسف الوضع متردّ هنا بدار الفتاة فنحن ننام على أسرة بالية ونأكل موادا غذائية منتهية الصلاحية، فضلا عن حرماننا من العديد من الأنشطة، فنحن نشعر وكأننا سجينات، خاصة أن وجود موظفين عسكريين متقاعدين يزيد من تأزم نفسيتنا، وفي حالة طردنا سنواجه مصيرا واحدا هو اللجوء إلى الفساد والدعارة».
وتطالب سكينة بتغيير القانون القاضي بخروج الفتيات اللواتي وصلن إلى سن الثامنة عشرة، من أجل صون كرامتهن، قبل أن تضيف أن بنات الخيرية لسن «عاهرات»، كما يعتقد البعض، فهن عفيفات ويناضلن من أجل الحفاظ على شرفهن.
لجنة للتضامن مع الفتيات
من بين حقوق الإنسان الحصول على سكن لائق يحفظ كرامته، غير أن فتيات الخيريات محرومات من هذا الحق، فهن مجرد نزيلات بشكل مؤقت داخل دار الفتاة، وبعد الاحتجاجات التي قامت بها الفتيات بسبب تهديدهن بالطرد، احتضنت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، فرع سيدي البرنوصي، الأسبوع الماضي لقاء تأسيسيا لـ«لجنة دعم نزيلات الخيرية للبنات».
وفي هذا السياق، أكدت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان دعمها اللامشروط للفتيات في محنتهن وارتباط الجمعية بملف «الخيرية»، منذ سنوات واستعدادها للتنسيق مع كل الهيئات والفعاليات الراغبة في دعم نزيلات الخيرية.
وأفاد سعيد مرتاجي، أحد قدماء دار الأطفال بعين الشق، خلال كلمته باسم اللجنة المؤقتة، أن هذه الأخيرة أُسست بمبادرة من النزيلات أساسا وبعض قدماء خيرية الدار البيضاء وفعاليات أخرى.
لكن بعد انتقال لجنة التضامن إلى دار الفتاة، أكدت مصادر «الأخبار»، أنه تم احتجازها داخلها من قبل مدير المؤسسة بعدما وعد اللجنة باستقبالها، ليتراجع عن ذلك عند مطالبتها بزيارة الغرف الخاصة بالفتيات، نافيا كل التصريحات التي خرجت بها إحدى النزيلات.
ويحكي نزيل سابق بخيرية عين الشق، أن مدير المؤسسة سبق له أن طرد نزيلة فتشردت في الشارع إلى أن توفيت أمام باب الخيرية، فيما انتحرت أخرى بعد طردها، بعد أن عاشت في الشارع ظروفا عصيبة وتعرضت لأبشع أنواع الاغتصاب التي نتج عنها حمل، فأصيبت الفتاة بمرض نفسي لتضع حدا لحياتها البئيسة.
امتهان الدعارة
تشرد «بنات الخيرية» في الشارع يؤدي إلى تعرضهن للاغتصاب والوقوع في فخ شبكات الدعارة.
«سمية» فتاة في عقدها الثالث، بعدما عاشت في الخيرية بسبب وفاة والديها، وجدت نفسها في الشارع بفعل تجاوزها السن المسموح به. وتحكي «سمية»، خلال حديثها مع «الأخبار»، أنها بعدما حصلت على الباكلوريا درست بالجامعة، غير أنها لم تكمل دراستها، فاضطرت إلى الاشتغال نادلة بأحد المقاهي بسيدي عثمان بمدينة الدار البيضاء.
لم تكن سمية تستطيع تسديد سومة الكراء والمحددة في ألف درهم، فيما هي تحصل على ألفي درهم راتبا شهريا.
وتروي سمية أن أحد الزبائن الذي كان يتردد باستمرار على المقهى، عرض عليها العمل «بارمانة»، بحانة بمدينة الدار البيضاء، مقابل ثلاثة آلاف درهم فلم تتردد في الموافقة، سيما وأنها كانت في حاجة ماسة إلى المال.
بعد ولوج سمية عالم الحانات بدأت بشكل تدريجي تنجرف وراء المغريات المادية لتحترف في ما بعد عالم الدعارة.
وترى «البارمانة» ذاتها، أن بنات الخيرية تقسو عليهن الحياة بشدة مهما حاولن التخلص من الماضي، غير أن مجهولات الهوية على وجه الخصوص، ترافقهن اللعنة طيلة حياتهن.
الزواج بمسن هو الحل
بعدما تغلق جميع الأبواب في وجه الفتيات اللواتي يعشن بالخيرية، يوافقن على الزواج من الرجال الذين يتقدمون لهن عن طريق مدير المؤسسة، فإن كانت بعض الفتيات يحالفهن الحظ في العثور على زوج يصون كرامتهن، ففي المقابل تتحول حياة أخريات إلى جحيم من نوع آخر.
«فاطمة» واحدة من النزيلات المهددات بالطرد بدار الفتاة بمولاي ادريس، تقول، في حديثها مع «الأخبار»: «ليس لدي أهل لذا عشت في الخيرية، والحل الوحيد الذي يقدمه لنا المدير المسؤول هو الزواج بمسنين، قد يصل سنهم أحيانا إلى 70 سن وللأسف لا يتم التحري عن الرجال الذين يتقدمون لخطبتنا، فهم يرغبون فقط في التخلص منا بأي طريقة كانت، معظم صديقاتي اللواتي تزوجن لم يعشن حياة هنيئة، حيث اكتشفن أن أزواجهن يتعاطون للمخدرات والخمر أو القمار، ويتعرضن للضرب باستمرار خاصة أنهن بنات الخيرية لا يملكن أسرة تدافع عنهن».
وتضيف «فاطمة»، أن الفتيات اللواتي يعشن في الخيرية يقبلن بالزواج فقط كي يحصلن على مأوى يقيهن البرد والحر، ومن أجل إنجاب أطفال كي يكونوا سندا لهن في الحياة.
وترى فاطمة أن الزواج يجب أن يكون مبنيا على الحب والتفاهم، وأن لا يكون بمثابة صفقة تضمن خلالها بنات الخيرية مأوى لهن مقابل الحصول على أجسادهن بطرق شرعية.