شوف تشوف

الرأيالرئيسيةتقاريرثقافة وفن

اكتشاف الموز أم فتح الأندلس؟

يونس جنوحي

الطريقة التي يُناقش بها مسلسل «طارق بن زياد»، تحمل الكثير من الانتقادات الشكلية، أكثر من الانتقادات في المضمون.

هذا العمل الدرامي، الذي قيل إن ميزانية ضخمة جدا خصصت له، يناقش أحداث فتح الأندلس ويسلط الضوء على الشخصية المغربية طارق بن زياد، الذي قال جملته الشهيرة الراسخة إلى اليوم، عندما أحرق السفن وصاح في جنوده إن البحر وراءهم والعدو أمامهم، لكي يشحن هممهم للحرب بعد العبور من إفريقيا إلى القارة الأوروبية.

فريق إنتاج المسلسل التلفزيوني متهم بتزوير التاريخ، هذا التزوير بالنسبة إلى آلاف المنتقدين حول العالم، يتلخص في ظهور الموز والأناناس فوق طاولات الطعام. بينما بالنسبة إلى الباحثين، فإن معطيات تاريخية وردت في المسلسل ليست دقيقة.

هذا النوع الأخير من الأخطاء، يكون قاتلا، إذ إن عرض الموز فوق الطاولات قد يكون عرضيا، وقد يتم التغاضي عنه «للضرورة الشعرية»، لكن أن تُذكر شخصيات في حضرة طارق بن زياد على أساس أنها عاصرته، أو أنها كانت وراء حدث معين في أثناء الإعداد لفتح الأندلس، ويتضح من خلال المخطوطات أن أصحابها ماتوا قبل ولادة طارق بن زياد، أو أنهم وُلدوا بعد وفاته بأزيد من قرن، فهذا خطأ غير مقبول ويضرب في مصداقية العمل.

معالجة هذا النوع من المواضيع في السينما، دائما تجر إلى نقاشات من هذا النوع، حتى في الدول المتقدمة التي وصلت إلى درجات عالية في الإنتاج واستعمال المؤثرات البصرية. فما بالك بالإنتاج العربي الذي لا يزال يعيش تحت خط «الاستواء» وتنقصه سنوات ضوئية، لكي يصل إلى مراتب العالمية.

إذ إن قضايا من العالم الثالث تتوفر فيها كل معايير التسويق في السينما العالمية، لكن الطريقة التي تُنتج بها محليا، تجعل فرص تسويقها دوليا غير واردة.

في أوروبا، كان الإنتاج الضخم لتاريخ الأسرة الملكية في بريطانيا، وهي أقدم الملكيات في العالم، موضوع نقاش كبير وصل حد تهديد بعض المؤرخين بجر المنتجين إلى القضاء، وذلك بسبب اعتمادهم لوقائع مشكوك في مصداقيتها، أو اعتمادهم روايات دون غيرها في أثناء تناول حياة بعض الأشخاص، الذين عملوا بالقرب من الملك إدوارد أو الملكة إليزابيث. ورغم أن هذا العمل، الذي يعتبر من بين أكثر الإنتاجات التوثيقية تكلفة في السينما حول العالم، اعتمد على جيش حقيقي من الباحثين والمؤرخين وحتى الصحافيين، في أثناء كتابة السيناريو والبحث، إلا أنه أثار زوبعة من الانتقادات فور عرض أول أجزائه.

فما بالك بعمل سينمائي عن شخصية طارق بن زياد الذي يعتبره بعض المشارقة صناعة عربية خالصة جاءت إلى المغرب في إطار الفتح الإسلامي، بينما المؤرخون المغاربة يعتبرونه مغربيا أمازيغيا لم يكن يتحدث العربية. بينما هناك فريق ثالث، يقول إن طارق بن زياد بكل ما كُتب عنه ورغم وجود مخطوطات تناولت حياته منذ قرون، مجرد شخصية خيالية، وهذا الكلام قيل أكثر من مرة، وأثار زوبعة من النقاشات، رغم أنه لم يكن يستند على أي أساس علمي.

أما أن يتم انتقاد حديث طارق بن زياد باللغة العربية في أثناء المسلسل، والذهاب إلى أنه لم يكن يتحدث العربية، فالأمر ليس إلا تحاملا على رمزية الرجل. فالألمان، الذين عرفوا دائما بالقومية والتعصب للغتهم، لم يجدوا أي حرج في أن تُنتج الولايات المتحدة الأمريكية فيلما عن شخصية جنرال ألماني، يعتبره الألمان اليوم أكثر عسكري شجاع استطاع الوقوف في وجه النازية، حيث خطط لاغتيال هتلر وكاد أن ينجح في ثورته، ودخل التاريخ بعد الحرب العالمية الثانية. الممثل الأمريكي «توم كروز» جسد شخصية الجنرال، الذي تم إعدامه بعد فشل انقلابه ضد هتلر، ولم ينتقد الألمان، حتى الذين ينتمون منهم إلى أقصى اليمين، أن يتحدث الجنرال الألماني باللغة الإنجليزية في الفيلم السينمائي الذي أنتج حول بطولته.

هناك من يستغرب وجود فاكهة «الأناناس» فوق طاولة طارق بن زياد، واستفزه ظهور الموز معلقا في الأسواق، رغم أن طارق بن زياد فتح الأندلس قرونا، قبل أن يعبر الموز إلى إفريقيا من أمريكا اللاتينية، ولم تستفزه الأخطاء التاريخية التي لا تُغتفر. لأن الجمهور، للأسف، لا يعرف عن تاريخه ما يكفي لإدراك أخطاء من هذا النوع، مثله مثل فريق العمل! 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى