اقتتال في ساحة «الراب»
حسن البصري
لا يختلف اثنان على أن موسيقى «الراب» قد عرفت في السنوات الأخيرة انتشارا واسعا، سيما في أوساط الشباب الذي تستهويه إيقاعاتها الصاخبة وكلماتها المستوحاة من قعر الشارع. كما لا يختلف اثنان حول العائدات المادية والمعنوية لهذا النوع الغنائي الذي حول العديد من هواته إلى أغنياء قفزوا سريعا فوق الخصاص وطاردتهم الشهرة بعدما ارتفع منسوب متابعتهم إلى الأعلى.
أضحى العديد من مطربي «الراب» في المغرب مشاهير زمانهم، وأصبحوا يتفاخرون بما تحققه ألبوماتهم من ملايين المشاهدات، لكن حياتهم تختلف كثيرا عن عوالم باقي أهل الغناء، فهم أشبه بالشعراء الصعاليك، غالبا ما يدقون طبول الحرب بينهم يتبادلون قصفا عشوائيا عبر مواقع التواصل الاجتماعي يسمونه «كلاش».
بعدما توارى عن الأنظار، ظهر «الرابور» المغربي «دون بيغ»، بأغنية جديدة أثارت منذ طرحها موجة من الجدل، خاصة وأنها كانت مرفقة بصورة كاريكاتورية تجسد مذبحة في حق من استهدفهم قيدوم «الراب»، ك«الديزي دروس»، و«كومي»، و«حليوة»، مستخدما كلمات نابية غالبا ما يتم تداولها في أغاني «الراب» إلى أن استأنس بها هواة هذا النوع الغنائي.
تجاوزت الأغنية بعد طرحها عبر مواقع التواصل الاجتماعي سقف المشاهدة وحطمت كل الأرقام القياسية في سلم «الطوندونس» بالرغم من الانتقادات التي لازمتها، وتبين أن القضية تصنف في خانة المألوف في صراع الأجيال بين «البيغ» والجيل الجديد من «روابة».
عبر كثير من الفنانين عن عدم رضاهم على الأغنية، وقالوا إن «البيغ» أخطأ في الاختيار وأن معظم مغني «الراب» يغفلون الإبداع في أعمالهم الفنية دون وجود أي معنى بالأغاني. وطالبوا باحترام الجمهور الناشئ، خاصة وأن عددا من «الرابورات» المعنيين بالقصف الذي اختار له صاحبه كعنوان «170 كلغ»، ردوا عليه بقصف عشوائي تفاعل معه الشباب وحول المشهد إلى معارك متناثرة، تم خلالها نشر غسيل هذه الفئة التي لا تجد حرجا وهي تعلن انتماءها لمجتمع يتعاطى كل الموبقات ولا يتردد في استخدام قاموس محشو بالكلمات الخادشة للحياء.
اصطف «الرابورات» في جبهة القتال، ووجهوا اتهامات ل«البيغ» ووصفوه بمطرب الدولة، فيما نشر آخرون صورهم وهم يعرضون عضلاتهم، فضلا عن رسومات تكشف عن بدانة «البيغ».
في هذا الملف تسلط «الأخبار» الضوء على حروب «الروابة» وحياتهم الخاصة.
توفيق حازب.. من “مغاربة تالموت” إلى “فلايسي تالموت”
رغم أن مغني «الراب» توفيق حازب الشهير بلقب «البيغ» من مواليد سنة 1982 بالحي المحمدي، معقل الظاهرة الغيوانية، إلا أن تمرده عليها بدأ منذ انتقال أسرته من هذا الحي الشعبي إلى حي روش نوار الأوربي، الذي قضى فيه الجزء الأكبر من طفولته وشبابه. التمرد تجاوز الجانب المجالي إلى انتقال في الهواية، إذ بالرغم من عشق والده لأغاني فريد الأطرش واسمهان وكلاسيكيات زمان، إلا أن الفتى اختار طريقا آخر غير طريق السلف، وانغمس في الموسيقى الغربية من خلال تنظيم فرقة كانت تنشط الحفلات المختلطة للطلبة مساء كل سبت، فطبيعة الحي لم تكن تسمح بانسلال الطرب الشعبي إلى وجدان شباب روش نوار.
لم تنفع محاولات الوالدين في ثني الإبن «المتحرر» عن تنظيم حفل زفافه بعد أن قرر وضع حد للعزوبية، فـ«الرابور» له وجهة نظر أخرى للأعراس ويعتبرها جزءا من الماضي، لذلك تمرد من جديد على طقوس الزفاف واختار أن يزف زوجته بعيدا عن فلكلور «النكافات»، وطقوس يعتقد أن الدهر أكل عليها وشرب، ضدا على أمنية لطالما سكنت والديه زكريا ونعيمة. اقترن «البيغ» بزوجة من خارج الوسط الفني تشتغل في إحدى المقاولات، وحين رزق منها بمولود اختار له اسم توفيق، حينها أصبح في البيت توفيق الكبير وتوفيق الصغير، فقط لأن الأب يريد أن يختلف عن بقية الخلق.
في حربه مع الجيل الجديد من مغني الراب، قال البيغ في مقطع فيديو: «ندمت علاش درت هاد الكلاش، حيت مكنكلاشيوش البراهش، ولي واعرة مشاو قصدو غير البنات، لعبة الراب ماشي هكذا، ونخلي للجمهور يحكم».
في هذه المعركة تعرض البريد الإلكتروني للفنانة سلمى رشيد، للاختراق من طرف الرابور «حليوة»، فيما تعرض حساب «إنستغرام» للفنانة فاطمة الزهراء الجوهري للقرصنة، ونشرت فيه صور «الرابور»، «ديزي دروس».
تم اختراق حسابي الفنانتين، بعدما ظهرت سلمى رشيد مع «البيغ» في بث مباشر، فيما نشرت الجوهري فيديو وهي تغني أغنية «البيغ»، التي يقصف فيها مجموعة من مغني «الراب». كان من الطبيعي أن يساند توفيق حازب الفنانة سلمى رشيد، ولو بتدوينة على تطبيق «الستوري» بحسابه على «انستغرام»: «كنت عارفك ميكروب ولكن باش تعدى على إنسانة مدارت ليك والو راه لميكروب نقا منهم».
في معارك «الرابورات» أماط خصوم توفيق اللثام على علاقته بالأحزاب، وعادوا إلى قصة تنشيط حفل سياسي، برغبة من نجل محمد اليازغي، الذي دعا «البيغ» لتنشيط المؤتمر الوطني للشبيبة الاتحادية، وعلل حازب قبول العرض بالرغبة في إيصال «مساجاته» لفئة أخرى تتمثل في أهل السياسة بعد أن كان المستهدف من أغانيه هو «الساط» وهي التسمية «الرابية» للشخص. كشف «البيغ» للاتحاديين أنه بريء من الاتحاد الاشتراكي، وأكد أنه لم يتقاض أي أجر عن هذا العمل، واعتبره مجرد «ستون» سياسي بل قال في أكثر من تصريح صحفي بأنه يكره الاشتراكيين، وأنه لم يصوت لهم في الانتخابات الأخيرة، بينما أكدت مصادر اتحادية أن اللجنة المنظمة للمؤتمر منحت تعويضا ماليا لـ»الد يدجي».
في علاقته بالسياسة تنتاب «البيغ» نوبات خلق حزب سياسي لرئاسته، ويشترط أن يكون حزبه مرشحا للظفر بمقاعد برلمانية، لأنه يرفض أن يكون «خاسرا» في الاستحقاقات السياسية، سيما وأن علاقته العائلية بشقيقة والده ميلودة حازب مكنته من دخول دروب ظلت مغلقة في وجه «رابورات» البلد.
وباقتراح من بن شمسي، خاض «البيغ» تجربة الصحافة، وتحول إلى كاتب عمود اختارت له مجلة نيشان اسم «بالمغربية»، كتب توفيق أعمدته بلغة الشارع وتقاضى راتبا شهريا من المجلة، وأصبح المغني ملزما باحترام ضوابط «البوكلاج» دون أن يحترم ضوابط كتابة عمود الرأي الذي لا يمكن أن يتحول إلى مجرد سفسطة لا تمت بصلة الى أعمدة تضع مجموعة من الأحداث تحت المجهر. وحين تحول العمود إلى مجرد «ستون» أسبوعي، أعلن «الرابور» الطلاق مع القلم والاكتفاء بنظم قوافي «الراب» بلغة يعتبرها لغة الشعب. حين يتذكر توفيق هذه التجربة يعترف بأن صحافة الرأي لا يمكن أن يصنعها مغني «راب».
حصل توفيق حازب على منح استثنائية من وزارة الثقافة، إذ نال مبلغ 35 مليون سنتيم كدعم من المال العام، بل إن لائحة الجمعيات والمقاولات الممنوحة تضمنت اسم فرقة «البيغ» التي نالت منحتين، الأولى في حدود 25 مليون سنتيم، في إطار ما سمي بدعم الإنتاج الموسيقي والثانية بلغت 25 مليون للتوزيع الموسيقي، و10 ملايين لتنظيم التظاهرات أي ما مجموعه 60 مليون سنتيم. في الوقت الذي عبرت فيه مجموعة من الجمعيات الثقافية عن استغرابها لهذا السخاء الحاتمي لوزارة الثقافة، وطالبت بدورها بحقها في الحصول على دعم من المال العام، خاصة لفنانين منافسين لفنان الراب «دون بيغ»، فيما لم يتم الاتصال البتة بفنانين شباب، أو الاهتمام بطلباتهم.
«حليوة».. ابن رجل التعليم الذي جره «الراب» من النادي البلدي
اسمه الحقيقي إيهاب إقبال، لكنه معروف في أوساط عشاق «الراب» بـ«حليوة» وهو اللقب الذي طارده منذ طفولته. ولد في الدار البيضاء وتحديدا في درب بن جدية، والده كان رجل تعليم من أصول سوسية. بدأ مشواره منذ سنة 2013 بأغان خلقت الحدث أبرزها «الضحك تقادا»، «بطل العالم»، «موسيقى الشيطان» و«ولد فاطمة»، نسبة إلى والدته فاطمة التي كانت راعيه الرسمي. لكن طريق الشهرة ستعبد له سنة 2016.
أثار «حليوة» إعجاب وانتقاد الكثير من الشباب وعشاق «الراب» المغربي بسبب أسلوبه الغنائي السريع وجرأته اللاذعة من جهة و«العنيفة» وكلماته النابية من جهة أخرى ما جعله عرضة لوابل من الانتقادات والهجوم من بعض مغني «الراب» المغاربة.
ظل «حليوة» يمارس شغبه مصرا على تدخين الشيرا واستنشاق المخدرات الصلبة، فقد كشف مجموعة من أصدقاء «الرابور» أن المصالح الأمنية اعتقلته بالدار البيضاء، ما دفع معجبيه لإطلاق حملة «الحرية لحليوة».
وكان «الرابور» المغربي الذي ارتبط اسمه بشكل كبير باسم إلهام العرباوي ابنة الفنان الشعبي عبد العزيز الستاتي، قد خلق ضجة بأغانيه المثيرة، وبتصريحاته المثيرة للجدل، خاصة حين أكد أن والده كان يقدم رشاوى للحراس العامين كي يتسلق ابنه سلم الدراسة.
عرف مغني «الراب» إيهاب إقبال بانتقادات لاذعة في حق زملائه كالفنان محمد الهادي المزوري المعروف بـ «مسلم»، معبرا عن عدم قبوله للتصريحات الأخيرة التي أدلى بها هذا الأخير ضده، مضيفا، أن «مسلم» وصل إلى درجة كبيرة من النجاح قد يسقط منها إذا ما استمر في غناء «الراب»، على حد قول إيهاب إقبال، وكان «مسلم» قد تساءل عن هوية «حليوة» قائلا: «ما كنعرفش شي رابور سميتو حليوة، ودار إشارة لصاحبو «طوطو» ديالو».
«حليوة» هاجم مسيرة «البيغ»، وذكره بالاستفادة من دعم الدولة وقربه من السياسيين، في تعارض تام مع مضامين أغانيه التي تنتقد الدولة، ووصل «حليوة» في نزاعه مع «البيغ» إلى حد اقتحام حياته الخاصة، ودافع عن تعاطيه للمخدرات، وقال باللي الواحد يتعرف بالجوانات أحسن ما يلبس سترينغ، وشبه «البيغ» فالكليب بسندويتش «بيغ ماك»، في إشارة منه إلى إمكانية أكله.
اقتحم مغني الراب «حليوة» قائمة الفيديوهات الأكثر رواجا على موقع «يوتيوب» في فرنسا، بفضل أغنية بعنوان 57 كلغ، واحتفل عبر حسابه في موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام»، باحتلاله المرتبة 13 في «طوندونس يوتيوب» في فرنسا، فيما يحتل المرتبة الثالثة في القائمة نفسها الخاصة بالمغرب.
«مسلم».. تاجر الملابس و«رابور» و«مصلح اجتماعي»
محمد الهادي المزوري واسمه الفني «مسلم»، هو مغني «راب» مغربي ولد بمدينة طنجة، بدأ مسيرته الغنائية كهاو سنة 1995، أسس فرقة «الزنقة فلو» (تيار الزنقة) سنة 1998 رفقة زميله العربي. يعبر عن إحساسه وتجربته القاسية عن طريق الأغاني والموسيقى. شارك «مسلم» بمجموعته الغنائية في العديد من الحفلات العامة والمهرجانات المحلية وقد لاقت السهرات التي أحياها تفاعلا وحضورا شبابيا كبيرا، وقد اشتهرت أغانيها ورددها الجمهور على غرار «الغربة»، «أنا مسلم»، «قلب مجروح» و«طاير حور».
تعرض فنان الراب لهجمات من زملائه واضطرت في أكثر من مناسبة فرقة مكافحة الجريمة المعلوماتية بطنجة، إلى فك لغز قرصنة الموقع الرسمي لمغني «الراب» «مسلم»، والذي سبق أن تقدم بشكاية تفيد باختفاء الصفحة الرسمية الخاصة به على موقع «الفيسبوك»، وكذا حظر حسابه على شبكة «اليوتيوب»، الذي يضم جميع الأغاني والكليبات التي أداها على مدى مسيرته الفنية.
الأبحاث الميدانية والتقنية والعلمية التي باشرتها فرقة مكافحة الجريمة المعلوماتية بأمن طنجة، مكنت من الوصول إلى الجناة، حيث تم إيقاف عدد من المشتغلين في مجال الموسيقى الشبابية.
تمكن مغني «الراب» الطنجاوي «مسلم» من إصدار أعمال جديدة تكتشف أنها تبحث عن أعمق مشاكل المجتمع المغربي اليومية بتفاصيلها وتراكماتها. على غرار: «دموع الحومة»، إذ نجد «مسلم» ينغمس في الحديث عن الفساد الأخلاقي والسياسي والاجتماعي، الذي تشهده مدينة طنجة، قاصدا من ذلك ما يحدث، أيضا، في المدن المغربية الأخرى.
فنان «الراب» الذي توشح بالوسام الملكي، اقتحم وبجرأة عوالم اعتقدَ جمهوره أنه سيتراجع عنها بعد الوسام، لكنه تعرض لقضايا الفساد بشكل أقوى في إصداره الأخير، مما يحسب إيجابيا.
لكن «الكلاشات» طاردت ابن حي مرشان، الذي استطاع من موقعه، أن يرصد التحولات التي تعيشها المدينة ويحولها إلى كلماتٍ جارحة بوضوحها، وقاهرة بصراحتها.
يقول «مسلم» في أكثر من تصريح صحفي: «في أواخر التسعينيات، كنت معجبا بالراب. لكنني شعرت أني أريد أن أعبر وأن أكتب، كان طموحي صغيرا، وهو أن يسمعني الناس من حولي، لكنني أصبحت اليوم مرآة من حولي»، متابعا أن الظروف المحيطة به ساعدته أن يصبح فنان «راب». صلب «الراب» هو الموسيقى، ويساعده في إنتاجها فريق متخصص، أما الكلمات فهي من اختصاصه، يقول: «أكتب كلماتي وفق ما أراه وأشاهده من حولي وتخيلي الخاص للإيقاع». وتتكفل الكلمات بأن تهب المستمع المتعة.
ساعدت لمسة الصدق الموجودة في أغاني «مسلم» على أن تصل لشريحة كبيرة من الناس، كما ساعد غناؤه باللهجة المغربية، أن تقتنى وتصبح قوائم الأغاني المفضلة، يقول: «الصدق في الكلمات، يعطي للأغنية انطباعاً، إنها ليست مجرد أغنية، لقد شعروا فيها أنها رسالة موقف ومبادئ».
يظل غناء مسلم متاحا على خشبات المهرجانات والمناسبات الثقافية والاجتماعية، كما أن موجة «مسلم» انتشرت بفعل عدم إدراج الألفاظ النابيّة في أغانيه. ويعاني فنان «الراب» بالخصوص في المغرب، من قلة الدعم والمساندة والتمويل. يقول «مسلم»: «يتحمل الرابور مصاريفه الخاصة، ولكن ذلك لا يعني أن تقفل الدولة باب المساعدة». ولم يمنع غناء «الراب» أن يجعل لـ «مسلم» حياة خاصة، يعمل فيها تاجرا للملابس.