شوف تشوف

الرأي

اغتيال زهران علوش رسالة مزدوجة للمعارضة السورية والسعودية

عمليتا اغتيال وقعتا في غضون عشرة أيام يمكن أن تشكلا، متفرقتين أو مجتمعتين، محطات مهمة في سير الأحداث في منطقة الشرق الأوسط في العام الميلادي الجديد، الأولى تلك التي استهدفت العميد سمير القنطار بصواريخ أطلقتها طائرات إسرائيلية، والثانية راح ضحيتها المعارض السوري البارز، إن لم يكن الأبرز، زهران علوش ليلة الجمعة الماضية.
اغتيال القنطار ربما يؤدي إلى حرب إقليمية في حال أقدم حزب الله على الثأر لاستشهاده، ونفذ عملية واسعة ضد أهداف إسرائيلية، واغتيال زهران علوش قد ينسف العملية السياسية التي بدأت في فيينا، ووضعت خريطة طريق لحل سياسي في سورية، وتكرست من خلال قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.
الجيش العربي السوري تبنى اغتيال الراحل علوش قي بيان رسمي، فسخ الانطباع الأول الذي ساد طوال ليلة أمس، وأكد أن طائرات روسية هي التي نفذت العملية، ولا نعتقد أن هناك أي فرق بين الجبهتين حاليا، فكلاهما يقفان في الخندق نفسه، وهناك مصلحة قوية للقيادة الروسية في تصفية زعيم «جيش الإسلام» الذي تجرأ على قصف سفارتها في دمشق.
وإذا أخذنا عملية الاغتيال هذه في سياق ما يجري من أحداث وتطورات في المشهد السوري، فإنه يمكن القول إنها عملية تصب في مصلحة النظام في دمشق، الى جانب «انجازات» أخرى مثل التوصل إلى اتفاق مع “الدولة الاسلامية” لإجلاء 5000 تقريبا من مقاتليها وعائلاتهم من مخيم اليرموك، والحجر الأسود، وأماكن أخرى جنوب دمشق، مضافا إلى كل ذلك نجاح الدبلوماسية الروسية بقيادة سيرغي لافروف في استبعاد أي إشارة في قرار مجلس الأمن المذكور تتعلق بمصير الرئيس السوري بشار الأسد.
النقطة الأهم في عملية اغتيال الراحل علوش تأتي من أربعة أمور رئيسية:
الأول: إنها جاءت لتعكس اختراقا أمنيا كبيرا للمعارضة السورية المسلحة و”جيش الاسلام”، على وجه التحديد، على غرار اختراق آخر أدى إلى تصفية “أحرار اشلام”، في عملية مماثلة قرب حلب قبل عام، راح ضحيتها ما يقرب من الخمسين شخصا.
الثاني: أن عملية الاغتيال هذه تشكل رسالة قوية إلى فصائل المعارضة السورية الأخرى وقيادتها في الداخل والخارج، تؤكد أنهم قد يكونوا أهدافا مستقبلية لعمليات مماثلة.
الثالت: محاولة لنسف مؤتمر المعارضة السورية في الرياض الذي انعقد قبل أيام، وانبثقت عنه هيئة عليا للمفاوضات، وتوجيه ضربة أخرى للقيادة السعودية باغتيال أحد أبرز رجالها في المعارضة السورية، إن لم يكن أهمهم، وأن عملية الاغتيال هذه قد تتطور إلى ما هو أسوأ.
الرابع: إن النظام السوري بدأ ينتقل من مرحلة الدفاع التي انتهجها طوال السنوات الخمس الماضية من عمر الأزمة، إلى مرحلة الهجوم داخليا، مع عدم استبعاد الانتقال إلى الخارج لاحقا، بعد أن جرى تأمين نسبة كبيرة من جبهته الداخلية من خلال التدخل العسكري الروسي.
ما يؤكد معظم الاعتبارات الأربع المذكورة آنفا، إعلان القيادة الجديدة لـ”جيش الاسلام” عن الانسحاب من الهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة عن مؤتمر الرياض احتجاجا على اغتيال زعيمها، وتهديدها بالرد بقوة على عملية الاغتيال هذه، مما يعني انهيار هذه الهيئة، كليا أو جزئيا، والمؤتمر الذي انبثقت عنه، وخلط الأوراق من جديد، وربما العودة إلى المربع الأول، أي مرحلة ما قبل انعقاد هذا المؤتمر في العاصمة السعودية.
السؤال الذي يطرح نفسه هو حول انعكاسات عملية الاغتيال هذه على “جيش الاسلام” ومستقبله؟ وما إذا كانت هذه العملية ستقلص خطر هذا الجيش على العاصمة السورية التي دأب على قصفها، وبث الرعب في صفوف ساكنيها؟
هناك عدة نظريات مطروحة: الأولى تقول بأن تأثير عملية الاغتيال على “جيش الاسلام” سيكون محدودا، لأنه جرى اختيار قيادة جديدة بعد ثلاث ساعات من العملية، مما يعكس عدم وجود صراع أجنحة، أما الثانية، فترى عكس ذلك، وتقول بأن “جيش الاسلام” هو زهران علوش، وزهران علوش هو “جيش الاسلام”، أي أنه جيش الرجل الواحد، على غرار تنظيمات وجيوش عديدة، ضعفت، أو انهارت، بعد مقتل زعيمها، وهناك لائحة طويلة في هذا الصدد.
نميل إلى ترجيح النظرية الثانية، لأنه لا توجد عقيدة إيديولوجية قوية لتنظيم “جيش الإسلام”، إسلامية، على وجه الخصوص، مثل ايديولوجية كل من “الدولة الاسلامية” و”جبهة النصرة”، تجعل اللحمة قوية بين مقاتليه، فعقيدة هذا الجيش تترسخ في قتال النظام حتى اسقاطه، وهي عقيدة تؤمن بها عشرات، إن لم يكن مئات التنظيمات والحركات الأخرى، واحتمال حدوث انقسامات وانشقاقات في صفوف “جيش الاسلام”، والحركات المعارضة الأخرى بالتالي، غير مستبعدة في الأسابيع أو الأشهر المقبلة.
ربما يكون من السابق لأوانه التكهن برد الفعل الانتقامي للجيش الاسلامي على اغتيال زعميه، وما إذا كان هذا الاغتيال سيجعل من العاصمة السورية أكثر آمنا، لكن ما يمكن قوله إن القصف بالصواريخ، ومدافع الهاون ربما يتكثف في الأيام المقبلة، وبتحريض سعودي مباشر، من منطلقات انتقامية من النظام الذي سدد ضربات دبلوماسية وعسكرية قوية إلى القيادة السعودية، باغتيال العمود الفقري لحربها غير المباشرة لإسقاط النظام، ومن غير المستبعد أن تكثف هذه القيادة دعمها العسكري النوعي للجيش المذكور، وربما فصائل أخرى، مثل أن تزودها بصواريخ، ومدافع متقدمة مضادة للدروع، وربما للطائرات أيضا، رغم أن أي قرار في هذا الصدد سيضع الرياض في مواجهة موسكو وجها لوجه.
الاحتفالات التي انطلقت في بعض المناطق التي تسيطر عليها السلطات السورية، وانعكاساتها على شكل حالة فرح، وتبادل تهاني لانصارها على شاشات التلفزة، ومواقع التواصل الاجتماعي، في مقابل صمت المعارضة، بل وصدمتها، كلها تعكس حجم «الانجاز» الذي تحقق باغتيال الراحل زهران علوش وقيادات الفصائل الأخرى التي كانت تجتمع به في الغوطة الشرقية، في إطار عملية مصالحة بين جيشه و»فيلق الرحمن»، بعد اشتباكات دموية بين الفصيلين.
اغتيال زهران علوش ضربة كبيرة للمعارضة السورية من حيث معانيها، والآثار، والتداعيات التي يمكن ان تترتب عليه، ستصب في مصلحة السلطات في دمشق من حيث تعزيز الثقة بالنظام، وإصابة خصومه في مقتل، في توقيت على درجة عالية من الحساسية والأهمية معا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى